
لعهود طويلة وُضِع قضاء المتن في قبضة زبائنية سياسية حولت البلديات من مؤسسات إنمائية إلى أدوات نفوذ انتخابي. سيطرت عقلية المحسوبيات، فانتشرت الرشاوى المقنّعة، وتحوّلت الخدمات إلى وسيلة لشراء الأصوات، والمشاريع إلى صفقات تُدار خلف الكواليس.
عاش المتن تحت وطأة عهد خُنقت فيه آمال المتنيين باسم “الزعامة” وتمّ تهميش الكفاءات لمصلحة الولاء الأعمى ولم تكن البلديات تُدار بعقلية الخدمة العامة، بل كمكاتب انتخابية تعمل لمصلحة “البيت السياسي”، فكانت النتيجة واضحة: قضاءٌ غني بالقدرات، فقير بالإنجازات. نفايات على الساحل، طرقات مدمّرة، مشاريع معلّقة، وانهيار في ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها.
هذه المرحلة طويت، أو على الأقل يُفترض أن تُطوى. فالمتن لا يمكن أن يستمر كرهينة لزمنٍ تجاوزه الوطن، ولا يجوز أن يُدفن مستقبله تحت ركام المحسوبيات والتحالفات المشبوهة.
نعم، اللبنانيون تغيّروا، والمتنيون تغيّروا. الناس سئمت الوعود الفارغة، والتجارب الفاشلة، والفساد المغلّف بشعارات “الخبرة” و”الزعامة”. قضاء المتن اليوم بحاجة إلى نفضة شاملة، إلى رجال ونساء يعملون بشفافية، بكفاءة، وبإيمان حقيقي بالإنماء المتوازن.
المتن بحاجة إلى بلديات تعمل للجميع، وإلى مجالس تخطّط وتنفّذ وتُحاسب، لا مجالس تتلقى الأوامر وتنفّذ الصفقات. بحاجة إلى عهد جديد يكون امتداداً للعهد الوطني الذي بدأ على مستوى الدولة، فيُترجم محلّياً بالشفافية، وبالعدالة، وبالفرص المتكافئة.
المتن أمام خيار حاسم: إمّا أن يُجدّد ولاءه لعهد الفساد، أو أن يختار طريق التغيير الحقيقي فيكون الصوت صرخة حرّة بوجه الإرث البائد وبداية زمن جديد يليق بالمتنيين وبأحلامهم.