الإنتخابات البلدية في عكار 2025: مواجهات عائلية في ظلّ حياد “المستقبل” .. “الجماعة” للتمدّد.. القوى المسيحية تتجنّب المواجهة المباشرة و”القبيات” خير مثال!!

بقلم ندى جوني – ديموقراطيا نيوز

رغم ثقلها السكانيّ واتساع رقعتها الجغرافية، لا تزال محافظة عكار تعاني تهميشاً مزمناً على مختلف المستويات، إذ تُستثنى بإستمرار من مشاريع الدولة التنموية وتُختصر أدوارها في المواسم الإنتخابية.
تنقسم عكار إلى مناطق متداخلة طائفياً ومذهبياً، أبرزها القيطع، الجومة، السهل، الدريب، الشفت، أكروم، ووادي خالد… ما يمنحها خصوصية سياسية وعائلية معقّدة.
جعلت هذه التركيبة من الإنتخابات البلدية مساحة اختبار دائمة لتوازنات النفوذ بين العائلات الكبرى من جهة، و التيارات السياسية من جهة أخرى.
و اليوم، عشيّة الإنتخابات البلدية، يتبدّل المشهد التقليدي: أحزاب كـ”القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” تتراجع خطوة إلى الوراء، وتتوارى خلف تفاهمات عائلية، في محاولة للإلتفاف على معارك قد تُفضي إلى خسائر ثقيلة.
في المقابل، تنشط “الجماعة الإسلامية” بتركيز منظّم، وتسجّل حضوراً مدروساً في القرى الكبرى. فهل نشهد هذا العام لحظة انتقالية تُرسم فيها ملامح سلطة محلية جديدة في عكار، أم أننا أمام إعادة تدوير للمشهد نفسه بأدواتٍ أكثر حذراً وأقنعةٍ أكثر محلية؟

لماذا تخشى الأحزاب المسيحية في عكار من الخسارة؟

كانت الإنتخابات في المناطق المسيحية في لبنان في الماضي تشهد منافسات مباشرة و حامية بين الأحزاب السياسية المختلفة. و مع ذلك، فإن الصورة تبدو مختلفة تماماً اليوم. اذ اختارت الأحزاب المسيحية في عكار اليوم، تجنب المواجهات المباشرة خوفاً من الخسارة، إذ تفضل التخفّي خلف التحالفات العائلية على الترشح المباشر.
و يكمن السبب وراء هذا التحوّل في أن الأحزاب باتت تدرك صعوبة المنافسة المباشرة في ظل الإنقسامات الداخلية وضعف قدرتها على تحشيد القواعد الشعبية. بعبارة أخرى، تفضل العديد من الأحزاب الحفاظ على مواقعها السياسية عبر دعم مرشحين من العائلات الكبرى في المنطقة، والذين يتمتعون بنفوذ محلي. هذا الخيار يبدو أكثر أماناً في ظل الصراع السياسي المتصاعد.
و من أبرز الأمثلة على هذه التحوّلات، لائحة “توافق القبيات” التي أعلنت في بلدة “القبيات”، كبرى البلدات المارونية في محافظة عكار. اللائحة، التي تضم 18 مرشحاً لعضوية المجلس البلدي، يرأسها ميشال عبدو و تجمع بين القوى السياسية المتناقضة او كما يقال “تحالف الأضداد” مثل “التيار الوطني الحر”، “القوات اللبنانية”، و النائب السابق هادي حبيش، بالإضافة إلى المستقلين، وهو ما أدى الى نقمة شعبية عارمة كانت نتيجتها تشكيل لائحة ثانية من شخصيات المجتمع المدني لمواجهة لائحة “التحالف الثلاثي”..

أما في “تلال القبيات”، فقد تم التوصل إلى توافق بين النائب العوني أسعد ضرغام وإيلي سعد، ليشكلان تحالفاً انتخابياً يهدف إلى تجنب التنازع والتوترات السياسية في المنطقة.

و في بلدة “رحبة” أيضاً، الوضع نفسه يتكرر، حيث يتم التركيز على توافق بين القوى السياسية بدلاً من خوض المعركة الانتخابية بشكل مباشر. إذ، قرر كلّ من النائب سجيع عطية، والدكتور وسام منصور المدعوم من ” القوات اللبنانية “، عدم خوض المعركة الإنتخابية بشكل مباشر. وهو ما يعكس تحوّلاً في المشهد السياسي، حيث تفضل الأحزاب والشخصيات البارزة التحالفات العائلية والتوافقات السياسية بدلاً من المواجهات المباشرة.

إذاً، يكمن السبب وراء هذه التحوّلات في الإنتخابات على الصعيد المسيحي في عكار هو أن الأحزاب تخشى الخسارة أو حدوث انقسام قد يضر بمصالحهم. لذلك، أصبح من الأسهل والأكثر أمانًا بالنسبة لهم أن يركنوا إلى التحالفات العائلية والتوافقات السياسية بعيداً عن أي مواجهة قد تؤدي إلى الهزيمة. .

لذا، لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا تخشى الأحزاب المسيحية مواجهة بعضها البعض في الانتخابات البلدية؟ و هل حقاً الفوز في الإنتخابات أصبح أكثر صعوبة؟ وكيف سيكون الواقع في الإستحقاق النيابي المقبل؟

حياد “المستقبل” وتوغّل الجماعة… من يملأ فراغ السنّة في عكار؟

إعلان الرئيس سعد الحريري عدم مشاركة “تيار المستقبل” في الإنتخابات البلدية حفاظاً على طابعها العائلي والإنمائي، أدى الى تراجع حدة المعارك الإنتخابية خصوصًا في المناطق ذات الأكثرية السنيّة. يبقى ان بعض التصرفات او الخيارات التي تخرج من كادر أو أكثر ينتمي “للمستقبل” لا تعدو كونها خيارات شخصية و عائلية لا أكثر ولا أقلّ لا تلزم “تيار المستقبل” بأي شيء

في المقابل، تسعى “الجماعة الإسلامية” إلى تعزيز حضورها المحلي بشكل واسع ومدروس. ففي بلدة “ببنين”، تخوض الجماعة الانتخابات بقوة من خلال مرشحها غسان السبسبي، ونسجت تحالفاً مع المحامي خالد المصري، المحسوب سابقاً على “تيار المستقبل”. أمّا في بلدة “برقايل”، دخلت الجماعة في تحالف مع عبد الرحمن حسن.
من ناحية أخرى، اختارت الجماعة التحالف مع قوى عائلية، في بلدة “فنيدق”، مما يطرح تساؤلات عن أهدافها البعيدة، لا سيّما في ظل إشارات إلى نيّتها التوغّل في القرى الكبرى وتثبيت نفوذها لاحقاً في اتحادات بلديات القيطع وجرد القيطع.

يبقى موقف الدكتور كفاح الكسار معلقًا بين التنظيم والعائلة. فكسار، و هو عضو المكتب السياسي في الجماعة الإسلامية و عضو المجلس الشرعي الأعلى، قد يجد نفسه مضطراً للإختيار بين الاصطفاف إلى جانب لائحة الجماعة أو الإنحياز إلى لائحة ابن عائلته، التي يخوضها زاهر الكسار.

في وادي خالد و سهل عكار، يبدو أن التزكية كانت الحل الأكثر أمانًا للجميع. إذ تجنّب كل من النائبين محمد سليمان ومحمد يحيى المواجهة المباشرة، حرصاً على ألا تُفتح الساحة على معارك خاسرة.

أما في “فنيدق”، فخرق النائب وليد البعريني هذا الخط العام، عبر خوضه للإنتخابات في لائحة ضد اللائحة التي يقودها عبد الإله زكريا، المقرب من مفتي عكار، الشيخ زيد بكار زكريا.

“حلبا” عاصمة عكار على موعد مع التغيير: منافسة انتخابية حامية بعد غياب المجلس البلدي منذ 2016

تتحضّر بلدة حلبا، مركز محافظة عكار، للإنتخابات البلدية بعد سنوات من غياب المجلس البلدي منذ 2016، ما انعكس تراجعاً كبيراً في الخدمات والبنية التحتية. و يحتدم التنافس بين لائحتين أساسيتين: “بالتضامن حلبا أحلى” برئاسة رئيس البلدية الأسبق سعيد شريف الحلبي، و “وحدة حلبا” برئاسة عبدالحميد الحلبي.

الإنتخابات البلدية في عكار: تحولات سياسية بين التوافقات العائلية والحياد المضلل

إن التغيرات التي تشهدها الإنتخابات البلدية في عكار هذا العام، تعكس واقعاً سياسياً معقداً تتداخل فيه القوى العائلية والتفاهمات الحزبية. فرغم تراجع الأحزاب عن المواجهات المباشرة، أصبح التركيز على التحالفات العائلية والمناورات السياسية هو الأسلوب الأبرز للحفاظ على المواقع والنفوذ
أما الجماعة الإسلامية، فهي تبذل جهوداً حثيثة لتوسيع دائرة تأثيرها في المنطقة، مستفيدة من الفراغ السياسي الذي يتركه “تيار المستقبل”.. وعمليًا من الضروري مراقبة ما إذا كانت هذه التحوّلات ستفضي إلى توزيع جديد للسلطة المحلية في عكار، أو ما إذا كانت ستعيد إنتاج نفس المشهد السياسي التقليدي بأساليب أكثر حذراً وتكتيكاً؟

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: