
بقلم ليلى شحود تيشوري- ديموقراطيا نيوز
طرابلس، المدينة التي كانت وما زالت في وجدان أبنائها منارة للعلم والانفتاح والتعددية، تواجه اليوم تحديًا عميقًا في مسيرتها الديمقراطية والاجتماعية. فقد شهدت هذه المدينة، التي شكّلت على مدى عقود نموذجًا للتنوع والإبداع والمشاركة، تراجعًا مقلقًا في حضور النساء في الحياة السياسية، لا سيما بعد أن غابت كليًا عن نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.
إن عدم فوز أي سيدة بمقعد بلدي في انتخابات 2025 لا يمثل مجرد إخفاق انتخابي عابر، بل يعكس تراجعًا منهجيًا في مسار المشاركة السياسية للمرأة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول جدية الخطاب الإصلاحي، ومصداقية الالتزام بالمساواة والمواطنة.
لقد عملنا في “تضامن طرابلس” على دعم ترشح النساء بجهود متواضعة، مؤمنين بأن التغيير لا يأتي إلا بالمثابرة. ومع ذلك، اصطدمنا بواقع صلب، حيث قام ذوو التأثير والنفوذ المستمد من السياسة بتوزيع لوائح خالية من أسماء المرشحات، وذلك في مناطق وأحياء تشكل خزانًا كبيرًا للأصوات، وقد جرى ذلك بقساوة وجسارة، بمعزل تام عن المعايير التشاركية، وغيبت عنها النساء عمدًا، وكأن وجودهن عبء لا قيمة له، ولا يُعتبر فرصة ينبغي الاستثمار بها. لقد أقصيت المرأة من اللوائح كما لو أنها تهديد للثوابت، وليس شريكًا طبيعيًا في القرار.
وليس من العبث التذكير بأن طرابلس شهدت، في دورات انتخابية سابقة، تجارب مشرفة لسيدات اخترن صناديق الاقتراع ساحة للمساهمة، لا للتمثيل الرمزي. ففي عام 2004 فازت ثلاث سيدات، وفي عام 2010 ارتفع العدد إلى أربع، بينما انخفض إلى سيدة واحدة في 2016، قبل أن يصل إلى الصفر في الدورة الأخيرة. هذه المؤشرات ليست أرقامًا صامتة، بل تعبير عن مسار من الانحدار يستوجب وقفة جادة.
إن إقصاء النساء عن دوائر القرار لا يعكس فقط مشكلة تمثيل، بل يكشف خللًا في بنية التفكير السياسي، وفي فهم دور المرأة كعنصر أساسي في أي نهضة حقيقية. فالمشاركة النسائية ليست ترفًا ولا مكرمة، بل ضرورة بنيوية لأي نظام ديمقراطي سليم. ولا يمكن لمدينة أن تنشد التقدم وهي تحجب نصف طاقتها البشرية عن مواقع التأثير.
ومن هذا المنطلق، نحمل القوى السياسية في المدينة مسؤولية هذا التهميش المتعمد، ونطالبها بالاعتذار العلني للمرأة الطرابلسية، ليس بالكلمات وحدها، بل من خلال قطع عهد واضح أمام أبناء المدينة بأن تعمل على تمثيلها الفعلي في الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026، عبر دعم ترشيحها بصدق، وتوفير فرص فوزها، لا تزيين اللوائح بها أو تهميشها مرة أخرى.
إننا نطالب، من موقعنا كمواطنين ومواطنات، وكحريصين على تحقيق الديمقراطية، بإعادة تصحيح هذا المسار، من خلال:
تبني سياسات تمكينية تضمن تمثيلًا نسائيًا لا يقل عن الثلث في انتخابات 2026، وصولًا إلى المناصفة.
إقرار قوانين انتخابية أكثر عدالة، تفرض شفافية اللوائح وتمنع التمييز ضد المرأة.
تحفيز المجتمع المدني والإعلام ليكون أكثر جرأة في مساءلة من يصوغ السياسات ويقصي النساء عن مواقع القرار.
إن طرابلس لا تستحق هذا التراجع. ونساء طرابلس، اللواتي أثبتن حضورًا مميزًا في مجالات العلم والعمل والنشاط الاجتماعي، لسن هامشًا في معادلة التغيير، بل ركيزة أساسية له. تجاهلهن هو تجاهل لمستقبل مدينة طالما عرفت كيف تبني مجدها بتكامل عقول أبنائها وبناتها معًا.