الشمال يترنّح بين الإنتخابات والاحتقان: طرابلس مدينة اليأس… والمعارك المسيحية تُعيد ترتيب القوى

بقلم ندى جوني- ديموقراطيا نيوز

لم تستطع الحملات الإنتخابية، على اختلافها، أن تخفف من وطأة المأساة التي يعيشها أبناء طرابلس يومًا بعد يوم. المدينة الغارقة في الإهمال، والمهمّشة على أكثر من مستوى، لم تعد ترى في الإستحقاقات الدستورية سوى تكرار لمشهد فقدان الأمل. هكذا مرّت الإنتخابات البلدية هذا العام، كأنها غير موجودة، فانعكست هذه القطيعة الواضحة في نسبة اقتراع لم تتجاوز 19%، في واحدة من أدنى نسب المشاركة في تاريخ المدينة.
لقد أرخى غياب كلّ من “تيار المستقبل”، و”تيار العزم” برئاسة نجيب ميقاتي الذي بقي لسنوات طويلة أحد أعمدة التوازن السياسي في طرابلس، بثقله على الشارع الطرابلسي، الذي وجد نفسه أمام معركة انتخابية باهتة، تفتقد إلى التمثيل الحقيقي، و إلى من يخاطب وجعه و يشبهه.
بدت هذه الإنتخابات كأنها الأسوأ في تاريخ الإستحقاقات الدستورية التي مرّت على المدينة، لا من حيث النتائج فحسب، بل من حيث الغياب التام للثقة، والحضور الصارخ للخذلان الشعبي.
كسر الناس ارادة السياسيين، وحده ايهاب مطر خرج سالمًا مُعافى من مستنقعهم الموبوء!..

المعركة المسيحية: تقدم القوات وتراجع التيار… وزغرتا في قلب الإشتباك

شهدت الساحة المسيحية خلال المعارك الإنتخابية الأخيرة تحوّلات لافتة، تمثلت بتقدّم حزب “القوات اللبنانية” و حلفائه بشكل ملحوظ على حساب “التيار الوطني الحرّ”، الذي تلقى ضربة قاسية تجاوزت تلك التي مُني بها في جبل لبنان، خاصة في البترون والكورة.
كذلك، استطاع النائب سامر سعادة أن يحقق انتصاراً لافتاً بفوز لائحته في بلدة شطين، ما كرّس حضوره السياسي في هذه المنطقة و هو ما سيؤهله ليلعب دورًا وازناً و متزايداً على الخريطة السياسية المحلية، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات النيابية المقبلة، حيث سيكون لهذا الفوز انعكاسات على موقعه ضمن المعادلات الانتخابية.

في المقابل، تمكن “تيار المردة” من الحفاظ على ثقله التقليدي في مدينة زغرتا، في حين سجلت “حركة الاستقلال” انتصارات واضحة في القرى التابعة للقضاء، ما جعل المعركة تتركز بشكل أساس على رئاسة اتحاد بلديات زغرتا، التي تحوّلت إلى ساحة تنافس شرس بين القوى المحلية.

أما في الكورة، فقد نجح ربيع الأيوبي، بدعم مباشر من “القوات اللبنانية”، في تثبيت موقعه في معركة بلدية ددّه، بينما اتسمت باقي المعارك في القضاء بطابع عائلي محلي، شهد تحالفات غير تقليدية أبرزها، بين حزب “القوات اللبنانية” و”الحزب السوري القومي الإجتماعي”، وهو ما أضفى على المشهد طابعاً مركباً يتخطى الاصطفافات السياسية التقليدية.

معركة الشمال: الضنية، المنية، الميناء… التحديات العائلية والانتصارات الإنتخابية

في المنية، قاد النائب أحمد الخير معركة انتخابية شرسة ضد النائب السابق عثمان علم الدين، حيث تمكن من تحقيق انتصار هام بفارق 13/8، ولو أن المعركة اتسمت أكثر بالطابع العائلي.

في المقابل، شهدت الضنية معارك عائلية على مختلف الأصعدة. إلاّ أن اللائحة المدعومة من النائب جهاد الصمد استطاعت تحقيق الفوز بفارق 100 صوت على اللائحة المدعومة من النائب السابق عبد العزيز الصمد في بلدة بخعون.
كذلك، تمكّن النائب السابق سامي فتفت من تحقيق انتصار سياسي بالفوز ببلدية “سير” بعد غياب لسنوات طويلة..
.
طرابلس المدينة: توترات و صراع مفتوح على رئاسة البلدية

بعد مرور 75 ساعة على إقفال صناديق الإقتراع في طرابلس، أعلنت لجنة القيد العليا مساء أمس النتائج النهائية للانتخابات البلدية، ما أثار تساؤلات وتحفظات حول خلفيات هذا التأخير والأحداث التي رافقت عملية الفرز داخل سراي المدينة، خصوصاً مع الحديث عن مخالفات وشوائب، أدّت إلى اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بإقالة محافظ الشمال القاضي رمزي نُهرا من منصبه و وضعه بتصرّف الحكومة
ضمن الإطار المذكور، كشفت النتائج الرسمية عن فوز لائحة “رؤية طرابلس” المدعومة من النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي وكريم كبّارة بـ12 عضواً، مقابل 11 عضواً للائحة “نسيج طرابلس” المدعومة من النائب إيهاب مطر ومجموعة “عمران”، فيما تمكنت لائحة “حراس المدينة” من الفوز بمقعد وحيد. هذا التوزيع المتشظي للنتائج يُنذر بصراعات قد تسبق حتى أولى جلسات المجلس البلدي المخصصة لانتخاب الرئيس، نظراً لعدم امتلاك أي فريق الأغلبية الكافية لفرض مرشحه دون اللجوء لتحالفات عابرة للّوائح.

بالتزامن، شهدت المدينة حدثاً لافتاً مع إعلان فوز سبعة مخاتير من جبل محسن ذي الغالبية العلوية، وسبعة مخاتير من باب التبانة ذات الغالبية السنية، في مشهد غير مسبوق. إلّا أن هذا التوازن سرعان ما انعكس توتراً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت فيديوهات تتضمن إساءات بحق أبناء الطائفة العلوية.. هذا الاحتقان الافتراضي ترجم سريعاً إلى الشارع، مع محاولات بعض الأهالي في جبل محسن لقطع الطرقات، قبل أن تتدخل فعاليات المنطقة ورجال الدين لاحتواء الموقف ومنع تفاقم الأوضاع، مؤكدين رفضهم للانجرار إلى فتنة طائفية.

في حين حسمت بمدينة الميناء لصالح لائحة ” منارة الميناء ” المدعومة كلّ من النواب طه الناجي و فيصل كرامي و كريم كبارة، التي استطاعت الفوز ب13 مقعدًا، وهذا بالطبع نتيجة ضخ المال الذي حصل من قبل رجل الأعمال ايلي واكيم، مقابل لائحة ” الميناء أولاً “، المدعومة من النائب إيهاب مطر والتي حصلت على 8 مقاعد وبالتالي بات محسومًا بطبيعة الحال فوز عبدالله كبارة برئاسة البلدية.

الشمال وطرابلس: تحديات سياسية ومستقبل غير مؤكد

المعركة الانتخابية في الشمال، رغم تعقيداتها والتحالفات المتنوعة، تكشف عن صورة حيّة للوضع السياسي اللبناني المتشابك بين القوى الحزبية و العائلية. و على الرغم من أن بعض المناطق شهدت تنافساً حاداً بين القوى السياسية، لا تزال بعض المناطق، مثل طرابلس، غائبة عن هذا المشهد بشكل ملحوظ مقارنة بما كانت تشهده من قبل. هذا الغياب يشير إلى تحوّلات قد تحدث في المستقبل القريب، و هو ما يتطلب متابعة دقيقة للتغيّرات السياسية في المنطقة.
إذاً، يظل الشمال اللبناني ولا سيّما مدينة طرابلس جزءًا محوريًا من المشهد اللبناني، يلعب دوراً أساسياً في تحديد معالم المستقبل السياسي للبنان. مع استمرار التنافس بين القوى السياسية والعائلية، يبدو أن هذه المناطق ستظل محوراً للعديد من التحديات والصراعات التي ستؤثر بشكل كبير على استقرار البلاد.
في النهاية، تبقى المعركة السياسية في الشمال مثالًا على التحولات المستمرة في السياسة اللبنانية التي لا تكاد تنتهي، حتى تتجدد مع كل استحقاق انتخابي.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: