من بوابة رفع العقوبات… هل يخرج لبنان من نفق النزوح؟

شكّلت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة محطة مفصلية، إذ أسفرت عن تغيّر جذري في الملف السوري. ففي لقاءٍ جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرّع، أعلن ترامب قراراً تاريخياً برفع العقوبات الأميركية عن دمشق، ما حمل مؤشرات إيجابية تنسحب تلقائياً على الوضع اللبناني.

هذا التطور جاء في سياق سلسلة تحوّلات استراتيجية شهدتها المنطقة، بدأت مع عملية غزة في 7 تشرين الأول، مروراً بمشاركة “حزب الله” في الحرب وسقوط بنيته العسكرية، وصولاً إلى السقوط الكامل للنظام السوري في 8 كانون الأول 2024، وهو الحدث الذي غيّر معادلات الداخل والخارج.

انعكست هذه المتغيرات على لبنان بشكل مباشر، حيث استفاد من المناخ الإقليمي لتجاوز أزماته، فانتُخب رئيس جديد للجمهورية هو جوزاف عون، وشُكّلت حكومة تسعى إلى إعادة بناء العلاقات مع سوريا لحل الملفات المشتركة.

وكان للمملكة العربية السعودية دور فاعل في هذا المسار، إذ سارعت إلى رعاية حوار مباشر بين السلطات اللبنانية والسورية، تُوِّج باتفاق على ترسيم الحدود وضبطها ومعالجة الملفات العالقة. وتواصل الرياض الإشراف على تنفيذ هذا الاتفاق لضمان استمراريته.

لكن رغم سقوط النظام السابق، لم تتحقق عودة سريعة للنازحين السوريين، بل ازدادت أعدادهم بسبب الانفلات الأمني في سوريا والتراخي في الإجراءات اللبنانية. وتفيد مصادر أمنية لـ”نداء الوطن” أن الأجهزة تعمل على ضبط الحدود، إلا أن ضعف الإمكانات وطول الحدود وصعوبتها الجغرافية، لا سيما في عكار والهرمل والقاع وعرسال، يعوق جهودها.

ويواجه الجيش اللبناني تحديات إضافية، خاصة في الجنوب حيث يضطلع بمسؤوليات تنفيذ القرار 1701، وسط وضع اقتصادي يثقل كاهل العناصر الأمنية كافة، ما أدى إلى فلتان على المعابر غير الشرعية.

أما في الداخل السوري، فلا يزال النظام الجديد يحاول ترسيخ سلطته وبناء مؤسساته العسكرية، ما يحدّ من قدرته على ضبط الأمن، سواء داخلياً أو على الحدود.

منذ اندلاع الأزمة السورية في 15 آذار 2011، تكبّد لبنان أثماناً باهظة من تداعيات النزوح، ومع أن الوقت لم ينتهِ بعد، فإن ما يدعو إلى التفاؤل، بحسب مصادر وزارية، هو وجود نية سورية جدية لضبط الحدود وإيجاد حلول لأزمة النزوح. ففي السابق، توفرت الإمكانات وغابت الإرادة، أما اليوم فالإرادة موجودة، وإن كانت الإمكانات محدودة.

ولم تعد هناك مبررات لبقاء النازحين في لبنان، فالنظام الذي كان يُتهم باضطهاد شعبه لم يعد قائماً، وسوريا استعادت سيادتها، فيما الأغلبية الساحقة من النازحين ينتمون إلى المكوّنات الاجتماعية التي باتت اليوم في الحكم ولا تتعرض لأي تهديد.

ومع رفع العقوبات الأميركية، باتت الأبواب مفتوحة أمام الحلول الاقتصادية والاجتماعية، ويبقى التحدي الأبرز في كيفية تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف. فرغم بعض المحاولات الجدية التي بدأت قبل عام من خلال تعاميم وزارة الداخلية والأمن العام واتحاد البلديات، فإن الفوضى عادت بعد الحرب الأخيرة، إذ خرج مئات آلاف السوريين، ثم عادوا مجدداً بعد توقف العمليات العسكرية، وكأن شيئاً لم يكن.

وبإمكان الدولة اتخاذ قرار واضح وحازم بترحيل كل من لا يحمل إقامة قانونية، مع التنسيق مع السلطات السورية الجديدة والدول العربية والمنظمات الدولية لتأمين الدعم اللازم للعودة. أما التذرع بغياب إعادة الإعمار فليس مقنعاً، فلبنان نفسه لم ينتظر مشاريع الإعمار بعد حروبه، بل عاد أهله إلى ديارهم رغم استمرار الخطر الإسرائيلي.

المصدر: آلان سركيس- نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: