
بقلم ندى جوني
انتهت الجولة الثالثة من الإنتخابات البلدية لعام 2025، كاشفة عن مشهد سياسي يعيد إنتاج نفسه في بعض المناطق، ويشهد تغييرات جزئية في مناطق أخرى.
فمن العاصمة بيروت التي عرفت تحالفات مفاجئة بين قوى السلطة التقليدية، إلى منطقة البقاع بتنوّعها السياسي والاجتماعي، اتّضح أن قوى المنظومة ما زالت تملك القدرة على فرض حضورها، وإن كان ذلك من دون برامج إنمائية فعلية، بل عبر توافقات ظرفية تهدف إلى منع تسلل أي بديل من خارجها.
في هذا السياق، بدت الإنتخابات البلدية لعام 2025 أكثر من مجرّد استحقاق محلي، بل محطة تعكس ميزان القوى السياسي بعد سنوات من الأزمات والانهيارات، وتطرح تساؤلات حول جدوى التغيير في ظلّ تحالفات تعيد إنتاج الإصطفافات القديمة.
السلطة تعيد إنتاج نفسها: تحالف المنظومة يهيمن على الإنتخابات البلدية في بيروت
من جديد، تصدّرت المنظومة السياسية مشهد الإنتخابات البلدية في بيروت، في استعراض واضح لقدرتها على إعادة إنتاج نفسها، مهما كانت الخلافات بين أطرافها. العاصمة، التي لطالما مثّلت نبض الشارع اللبناني، شهدت تحالفات غير مألوفة بين خصوم الأمس، الذين توحّدوا في مواجهة خصم واحد: أي محاولة جديّة لكسر الإصطفافات التقليدية وطرح بدائل مستقلة.
في ساحات بيروت التي عرفت أفظع الإنقسامات والمعارك، من خطوط التماس، إلى المواجهات الحديثة بين السلطة والناس، برز مشهد عبثي جديد: خصوم يجتمعون، لا على رؤية مشتركة، بل على هدف مشترك هو إقصاء التغيير. ولعلّ أكثر ما فضح طبيعة هذا التحالف، هو أنه لم يُبنَ على مشروع إنمائي أو برنامج بلدي واضح مهما كان واضحاً ومدروساً، بل على تقاطع مصالح سياسية وانتخابية لحماية النفوذ، ومنع تسلل أي قوة بديلة إلى المجالس.
بيروت التي دفعت ثمن الإنهيار الاقتصادي، وانفجار المرفأ، وغياب الدولة، لم تجد في صناديق الاقتراع خلاصاً من منظومة مسؤولة عن كل ذلك، بل عادت لتصطدم بجدار التحالفات السياسية المحكمة، وبواقع انتخابي تُخاض فيه المعارك بانقسامات تفتّت قوة التغيير وتُفرغ الديمقراطية من مضمونها.
ضمن الإطار المذكور، لم تتخطى نسبة الإقتراع في بيروت 20%، وهذا دليل واضح على تردد الناس وخوفهم ويأسهم في ظلّ غياب قوى فاعلة ومهمة، وهو تيار المستقبل. فقد تنافست لوائح عدّة على الإنتخابات في بيروت، أبرزها لائحة ” بيروت بتجمعنا “، المدعومة من المنظومة السياسية، ولائحة ” بيروت بتحبك “، المدعومة من الجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى لائحة ” بيروت مدينتي “، التي شكلتها قوى التغيير والمجتمع المدني.
حُسمت الإنتخابات البلدية في بيروت لصالح لائحة ” بيروت بتجمعنا “، التي شكّلت تحالفاً عريضاً بين أحزاب وشخصيات سياسية تقليدية، مع تسجيل خرق وحيد لصالح محمود الجمل، المنسّق السابق لتيار المستقبل في بيروت، عن لائحة ” بيروت بتحبك “، المدعومة من النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية. هذا الخرق حمل دلالة سياسية بالغة، إذ عكس حضور” تيار المستقبل ” وجمهوره رغم إعلان التيار مقاطعته الرسمية للإستحقاق. فقد جاء فوز الجمل بمثابة رسالة واضحة تؤكد أن جمهور التيار لا يزال فاعلاً ومؤثراً في العاصمة، ويملك القدرة على ترجيح الكفة حين يريد.
ووفق النتائج، تصدّر المحامي الدكتور محمد بالوظة، مرشّح اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، السباق الانتخابي بنحو46 ألف صوت، فيما حلّ مرشّح حزب “الهنشاك”، هوفيك بوكاكجيان، في المرتبة الأخيرة بنحو 37 ألف صوت.
وفي المقابل، تمكّن العميد المتقاعد محمود الجمل من تسجيل خرق لصالح لائحته بعد حصوله على نحو 40 ألف صوت، متقدّماً على مرشّح متروبوليت بيروت، وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران إلياس عودة، إيلي أندريا، الذي كان مرشّحاً لمنصب نائب رئيس المجلس البلدي، أسوة بالمجلس السابق.
الانتخابات البلدية في منطقة البقاع: مشهد انتخابي متباين يعكس واقع المنطقة
شهدت منطقة البقاع استحقاقًا انتخابيًا حاسمًا عام 2025، حيث اتسمت نتائج الانتخابات بتباين واضح بين الأقضية والبلدات، ما يعكس التنوع السياسي والاجتماعي لهذه المنطقة الحيوية.
في زحلة، حققت القوات اللبنانية فوزًا كاسحًا، مؤكدة نفوذها وتمسكها بالمشهد السياسي المحلي. هذا الانتصار يعكس ثقة واسعة في قيادة القوات ومشروعها السياسي داخل المدينة، التي تعد واحدة من أهم مدن البقاع.
أما في بعلبك-الهرمل، فقد برزت لائحة “التنمية والوفاء” كالفائزة الأبرز، متقدمة بفارق واضح على لائحة “بعلبك مدينتي” المستقلة، حيث حصدت لائحة التنمية والوفاء كافة المقاعد في 80 بلدة من أصل 80، منها 28 بلدة فازت بالتزكية، مع ارتفاع ملحوظ في نسب الاقتراع، خصوصاً في بلدات النبي شيت (81%) وحوش الرافقة (67%) . مما يعكس هذا التفوق قوة التحالف السياسي للثنائي الشيعي ونفوذه المتزايد في المحافظة.
في البقاع الغربي، شهدت الانتخابات نسبة عالية من التزكية، حيث فازت بلديات عدة مثل الخيارة، السلطان يعقوب، والمنصورة بالتزكية، ما يشير إلى استقرار النفوذ التقليدي في هذه المناطق.
أما في قضاء راشيا، فقد فازت بلديات مثل ينطا، مذوخا، بكا، وعين عرب بالتزكية، مؤكدين استمرار التوازنات التقليدية في المشهد السياسي المحلي. كما سجَّل في هذا السياق استمرار نفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي حافظ تقليدياً على موقعه المؤثر في هذه المنطقة، مستفيداً من شبكة علاقاته التاريخية وقاعدته الشعبية الثابتة.