
يسود في بيروت انطباعٌ عام بأن لبنان لم يعُد يملك ترف الوقت في ظل تحولات إقليمية متسارعة، تُرسم على وقع تطورات تعيد تشكيل ما يُعرف بـ”الشرق الحديث”؛ من رفع العقوبات الغربية عن سوريا، إلى دينامية متقدمة بشأن “حل الدولتين”، وصولاً إلى مفاوضات أميركية – إيرانية مفتوحة على مزيد من الجولات.
وبعيد انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية في جولاتها الأربع، وانكباب القوى السياسية على تقييم نتائجها بين ربح وخسارة، أطلق رئيس الحكومة نواف سلام إشارة الانطلاق نحو التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، المقررة بعد عام، بما تستوجبه من استعدادات تقنية وسياسية.
وفي هذا السياق، برز العهد الجديد، رئاسةً وحكومة، كأحد أبرز المستفيدين من الاستحقاق البلدي، باعتباره أول اختبار داخلي نجح في إتمامه، ما يعزز صورته في الداخل ويمنحه رصيداً في علاقاته الخارجية. غير أن هذا الإنجاز البلدي سرعان ما تراجع إلى خلفية المشهد، مع تصاعد التحديات الكبرى التي تنتظر لبنان في الأسابيع المقبلة.
ومن أبرز هذه الملفات، زيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت، والتي من المتوقع أن تحمل معها أجندة ثقيلة تتعلق بثلاثية: السلاح، الإصلاح، والسلام.
سلاح “حزب الله” في صدارة النقاشات
يتصدر ملف سلاح “حزب الله” سلم أولويات النقاش اللبناني – الدولي، في ضوء الإشارات المتكررة من واشنطن بضرورة حصر السلاح بيد الدولة كشرط أساسي لأي دعم جدي للبنان. تصريحات أورتاغوس الأخيرة، والتي حملت نبرة حازمة وصلت حد التحذير من “إما نزع سلاح الميليشيات أو الحرب”، تعكس توجهاً أميركياً أكثر صراحة وضغطاً في مقاربة هذا الملف.
وعلى الرغم من محاولات بعض المسؤولين اللبنانيين التقليل من وطأة هذا الخطاب، فإن ثقة أورتاغوس المعلنة برئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، توحي بأن الإدارة الأميركية ترى في العهد الحالي شريكاً محتملاً في مسار “استعادة الدولة”.
حوار السلاح… بين بيروت والحزب
في مقابل ذلك، لا يُخفي “حزب الله” رفضه المطلق لأي نقاش في موضوع سلاحه خارج شروطه الخاصة، إذ يعتبره جزءاً من “الصراع الوجودي” الذي يخوضه. وبينما تزداد الضغوط الخارجية، تُبدي أوساط قريبة من الحزب تمسكاً بما تعتبره “خطاً أحمر لا يُمس”.
وعلى خط موازٍ، تُطرح إمكانية أن تبادر الدولة اللبنانية إلى موازنة المواقف، من خلال دعوة واشنطن للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب، الأمر الذي قد يُستخدم كورقة تبريرية لفتح حوار داخلي حول مسألة السلاح.
سلاح المخيمات الفلسطينية: اختبار نوايا؟
ضمن هذا المناخ، بدت بيروت وكأنها تحاول إرسال “دفعة على الحساب” للمجتمع الدولي عبر القرار الأخير بجدولة تسليم السلاح الفلسطيني في المخيمات، بدءاً من منتصف حزيران، بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإعلان رفع الغطاء عن السلاح غير الشرعي داخل المخيمات.
ورغم جدية القرار، تشير المعطيات إلى أن تنفيذه سيواجه تحديات كبيرة، خصوصاً في مخيم عين الحلوة، الذي بات ملاذاً لجماعات متطرفة ومطلوبين للدولة، ويُعد الحلقة الأكثر تعقيداً نظراً لارتباط بعض مجموعاته بجهات خارجة عن سيطرة منظمة التحرير وفصائلها التقليدية.
آخيراً، بين حراك داخلي انتخابي وتجاذب إقليمي – دولي، يتحضّر لبنان لمرحلة مفصلية، حيث لم يعُد ممكناً الفصل بين الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية. وكل يوم يمرّ من دون حسم أو تفاهم، يزيد من تعقيد الخيارات ويقلّص هوامش المناورة… في بلد لم يعُد يملك ترف إضاعة الوقت.
المصدر : الراي الكويتية