
بقلم ندى جوني – ديموقراطيا نيوز
انتهت الجولة الرابعة للإنتخابات البلدية في محافظتي جنوب لبنان والنبطية تزامناً مع ذكرى تحرير الجنوب عام 2000. لكن أين الجنوب اليوم؟ على مدى ربع قرن، بقي الجنوب رهناً لخطابات فارغة وأجندات خارجية تهدف إلى الهيمنة على مفاصل الدولة، مع إقصاء الفكر الحر والنضالي الذي كان يميّز أهل الجنوب بإيمانهم الحقيقي بالمقاومة والتحرير. وفي النهاية، بات الجنوب يتعرض لاستغلال من قبل فئات متطرفة تُشبه الطفيليات التي تتغذى على الفوضى وتستغل النضال لأغراضها الخاصة.
في صيدا، شهدت الإنتخابات منافسة واضحة وحيوية بين أطراف متعددة، انعكست من خلالها قدرة المدينة على الإحتفاظ بهامش من التنوع السياسي والضغط المجتمعي. أما في جزين، فكانت المنافسة بين القوى التقليدية على أشدها، مما يعكس طبيعة المشهد السياسي المسيحي في المنطقة. في المقابل، عاش الجنوبيون في المناطق الشيعية حالة من الصراع الداخلي بين واقع مرير لا يمكن إنكاره، ورفض تقبل هذا الواقع الذي يُفرض عليهم، المتجسّد بهيمنة شبه كاملة لقوى السلطة المحلية وانعدام فرص التغيير الحقيقية، على الرغم من المحاولات في بعض المناطق.
فالواقع الذي يعيشه الجنوب اليوم، والذي تفاقم منذ اندلاع الحرب الأخيرة، حين أجبر الإحتلال الإسرائيلي آلاف العائلات على ترك منازلها في غضون نصف ساعة، ليعودوا إلى قرى مدمرة تفاقم حالة العزل والتهميش التي يعيشها الجنوب، هو شهادة واضحة على الفشل في تحقيق التحرير الحقيقي، والذي يدفع نحو إعادة النظر في مستقبل الجنوب السياسي والإجتماعي في ظل هذه التحديات المتشابكة.
صيدا..جمهور “المستقبل” يكرّر مشهدية بيروت
شهدت مدينة صيدا واحدة من أكثر المعارك الإنتخابية البلدية سخونة في الجنوب، حيث تداخلت التحالفات السياسية التقليدية مع قوى التغيير والمجتمع المدني، ما أفرز مشهداً انتخابياً معقداً ومليئاً بالمفاجآت. فقد أظهرت النتائج فوز 11 عضواً من لائحة “سوا لصيدا” برئاسة مصطفى حجازي والمدعومة من رئيس البلدية السابق محمد السعودي ورجل الأعمال مرعي أبو مرعي، إلى جانب فوز 7 أعضاء من لائحة “نبض البلد” برئاسة محمد دندشلي والمدعومة من التنظيم الشعبي الناصري و تجمع “علّي صوتك” ومجموعة من المهندسين والمستقلين في صيدا وجوارها، إضافة إلى ثلاثة أعضاء من لائحة “صيدا بدها” ونحنا قدها” برئاسة عمر مرجان المدعومة من الجماعة الإسلامية، رغم فشله شخصياً في دخول المجلس.
و جاء تأثير “تيار المستقبل” في صيدا بارزاً رغم غيابه المباشر عن الترشح، و هي رسالة واضحة بأن جمهوره يمثل أكبر قوى فاعلة على الأرض. بعبارة أخرى، كرّر “المستقبليون” في صيدا مشهدية بيروت فقد استطاع جمهور “تيار المستقبل” في قلب النتيجة لمصلحة اللائحة التي يدعمها التيار . وساهمت ماكينة “مجدليون” التابعة للتيار في تحفيز الناخبين ورفع نسبة الإقتراع، خصوصاً في الساعات الأخيرة من النهار، حيث وصلت نسبة المشاركة إلى 46%، ما شكل فارقاً حاسماً في النتائج النهائية، كما برز بشكل واضح امساك السيدة بهية الحريري بخيوط اللعبة في عاصمة الجنوب بإقتدار و احترافية.
انتهت المعركة الإنتخابية في صيدا إلى تقاسم المجلس البلدي بين اللوائح الثلاث، ما يؤكد أن صيدا مدينة تحتفظ بهامش التنوع الذي يمتزج بين قوى التغيير و القوى التقليدية.
التيار الوطني الحر يحسم معركة جزين… و القوات اللبنانية تحافظ على حضورها في قرى القضاء
شهدت انتخابات بلدية جزين حماوة شديدة وتنافساً محتدماً بين لائحتين رئيسيتين، الأولى مدعومة من التيار الوطني الحر وحلفائه، والثانية من القوات اللبنانية. استطاع التيار الوطني الحر من تحقيق اكتساح واضح في نصف عدد المصوتين، ما دفع النائب جبران باسيل إلى إعلان الإنتصار الإستباقي للائحة التي يدعمها، وسط احتفالات بدأت في المدينة تعبيراً عن ثقة كبيرة بالفوز.
أما في المناطق المسيحية المجاورة، فقد سجل التيار الوطني الحر فوزاً في بلدة كفرفالوس، بينما فازت لائحة “مع بعض مكملين” المدعومة من القوات اللبنانية في مغدوشة. وفي ديرميماس التابعة لقضاء مرجعيون، حققت لائحة “الدرامسة” التي تضم وجوهاً شبابية تغييرية فوزاً ملحوظاً. كما تمكنت القوات اللبنانية من تحقيق سلسلة انتصارات في بلدات جديدة مرجعيون، عين إبل، والعدوسية، حيث حصد مرشحوها والمخاتير المدعومون منها أغلبية المقاعد. وبذلك، تظهر الصورة السياسية في هذه المناطق المسيحية توازناً بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، مع تفوق واضح للتيار في جزين ونجاحات مهمة للقوات في البلدات المسيحية الأخرى.
المناطق الشيعية: هيمنة الثنائي مقابل محاولات خجولة ورمزية للتغيير في بلدات عدّة
بالرغم من المنافسات المحدودة في بعض البلدات، حققت لائحة “التنمية والوفاء” المدعومة من “الثنائي الشيعي” فوزاً كاسحاً في معظم المناطق الشيعية، ولا سيما في النبطية وصور وحارة صيدا، حيث جاء التصويت منسجماً مع التوجهات الحزبية، وبدت المعركة محسومة سلفاً لصالح السلطة المحلية. وقد فازت بعض القرى بالتزكية، ما يعكس حجم السيطرة الحزبية في تلك المناطق.
إلا أن المشهد لم يخلُ من بعض المحاولات الجدية للخروج من عباءة الأحادية السياسية. ففي كفررمان، تنافست ثلاث لوائح، بينها لائحة مدعومة من قوى تغييرية ومستقلين، وبرزت مؤشرات على محاولة خرق حقيقي رغم صعوبة المهمة. أما في بلدة أنصار، فكانت المعركة أكثر حماوة، مع ترشح شبان وشابات من خلفية تغييرية، أرادوا كسر نمط التزكية وإحداث خرق رمزي في مشهد البلديات. وفي مدينة النبطية، خاضت مجموعة شبابية لائحة “النبطية تستحق الحياة” بمقاربة إنمائية واضحة، رغم إدراكها المسبق لصعوبة المواجهة أمام لائحة السلطة.
و أخيراً، في حاصبيا استطاع الحزب التقدمي الإشتراكي بالتحالف مع الحزب القوي السوري الإجتماعي، والحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة طلال إرسلان من تحقيق الفوز في الإنتخابات البلدية ، مع تسجيل بعض الخروقات في قرى القضاء…
هكذا عكست الانتخابات صورة مركّبة: من جهة، هيمنة شبه مطلقة للقوى الحاكمة، ومن جهة أخرى، محاولات تغييرية خجولة تسعى لإثبات الحضور وكسر جدار الخوف والاحتكار السياسي، حتى لو لم تنجح بالخروقات الفعلية.