
تتكدّس الملفات الحساسة على طاولة الواقع اللبناني، فيما يعيش البلد لحظة دقيقة تتطلّب قرارات حاسمة وسريعة. ورغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، يبقى السلاح غير الشرعي في صلب المعضلة الوطنية، كونه أصل الخلل ومحور التوتر الدائم.
منذ ولادة لبنان الكبير عام 1920، لم يعرف الاستقرار الطويل. فكلّ عقد تقريبًا حمل معه هزّة سياسية أو أمنية، ساهمت في تقويض فرص النهوض. بعد الاستقلال، عاش لبنان مرحلة ازدهار قصيرة، لكنّها انهارت مع دخول البلد في لعبة المحاور، بدءًا من القومية العربية والناصرية، مرورًا بالحرب الأهلية، ووصولًا إلى الاحتلال السوري الذي كرّس الفساد وسحق مؤسسات الدولة.
عام 2005، شكّل اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومن ثمّ خروج الجيش السوري محطة مفصلية. ظنّ اللبنانيون أنّ التغيير اقترب، وأن الدولة القوية على وشك الولادة. لكنّ قوى 14 آذار أهدرت الفرصة. الانقسام، غياب الرؤية الواحدة، وخروج بعض الأطراف من التحالف، كلها عوامل أعادت ميزان القوى لصالح “الثنائي الشيعي”، ليأتي عدوان تموز 2006 ويقلب المعادلة بالكامل.
اليوم، يجد لبنان نفسه أمام فرصة دولية جديدة، ربّما أكثر ندرة من تلك التي أتيحت عام 2005. محور الممانعة يتراجع، النظام السوري فقد قوّته، إيران محاصرة، والمجتمع الدولي يظهر اهتماماً متجدّداً بقيام دولة لبنانية قوية. لكن في المقابل، “حزب الله” يعيد بناء تموضعه، يرفض تسليم سلاحه، ويعتمد سياسة المماطلة مع رهان على تغيّر الظروف.
الخطير أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يُعيد استخدام الأسلوب ذاته الذي اعتمده في عام 2005، لتعويم سلطة الأمر الواقع، وبغطاء داخلي صامت أو متواطئ.
خيبة الأمل اليوم تتعاظم، خاصة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وتجاهل مطلب السيادة، واستمرار سياسة المحاصصة، وغياب أي صدمة إيجابية فعلية على صعيد محاربة الفساد أو حصر السلاح بيد الدولة. ما يحدث ليس أقل من إضاعة فرصة جديدة، وفي حال لم تتحرّك الدولة بقرارات جريئة، فإنّ عقارب الساعة ستعود فعلاً إلى الوراء، تماماً كما حصل عامي 1982 و2005، ولكن بثمن قد يكون هذه المرة وجودياً
المصدر: الان سركيس mtv