لبنان بين شبح التفكك وفرصة الإنقاذ الأخيرة: لحظة القرار تقترب

يواجه لبنان اليوم أحد أخطر المفترقات المصيرية منذ انتهاء الحرب الأهلية. بلد يرزح تحت وطأة الانهيار المالي، والتفكك المؤسساتي، والشلل السياسي، بات محاصراً بين متغيرات إقليمية متسارعة وضغوط دولية متزايدة، فيما الأزمات الداخلية لم تعد تحتمل مزيداً من المماطلة أو التسويات المرحلية. السؤال الملح: هل يفوّت لبنان فرصته الأخيرة للإنقاذ، أم أن لحظة الوعي الوطني لا تزال ممكنة قبل فوات الأوان؟

المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى لبنان كدولة منهارة فحسب، بل كعقبة إقليمية تعرقل مسارات الحلول. واشنطن، مدعومة من شركاء أوروبيين، باتت ترى في واقع لبنان – سلاح خارج إطار الدولة، فساد مستشرٍ، وانهيار في الهيبة الشرعية – عائقاً أمام أي دعم اقتصادي أو سياسي. وبالتالي، لا دعم دولياً بلا خطوات ملموسة تبدأ من معالجة ملف سلاح “حزب الله”، ولا تنتهي بإصلاحات شاملة في الإدارة والقضاء والمالية.

الرسائل الأميركية واضحة: المطلوب ليس فقط تغييراً شكلياً، بل التزام فعلي بجدول زمني غير معلن للتنفيذ. وفي هذا السياق، تكتسب زيارة نائبة المبعوث الأميركي، مورغان أورتاغوس، المرتقبة لبيروت طابعاً حاسماً، كونها تحمل مؤشرات حقيقية حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وبيروت، وما إذا كان لبنان على شفير الخروج من أولويات الدعم الدولي.

في الجنوب، تتصاعد المخاوف من انهيار التهدئة. إسرائيل أعادت نشر “لواء الجليل”، وأعدّت العدة لاحتمال نشوب مواجهة. ومع تصاعد التوتر على الحدود، واهتزاز التفاهمات غير المعلنة التي حالت دون تفجير الوضع، تزداد المخاطر، خصوصاً مع تراجع فاعلية الردع الدولي.

قوات “اليونيفيل”، التي لطالما شكلت مظلة دولية لحماية الاستقرار الحدودي، تواجه اليوم تضييقاً واعتداءات متكررة باتت تهدد استمرارها. ومع تنامي شعور الدول المساهمة بأنها باتت تعمل في بيئة غير آمنة، تتزايد الدعوات لتعديل قواعد الاشتباك، والسماح لها بالحركة دون تنسيق مع الجيش اللبناني، ما يفتح الباب على نزاع مباشر حول مفهوم السيادة.

هذا الصراع على تعريف “السيادة” بين ما هو قانوني وما هو فعلي، يعكس عمق المأزق البنيوي. ففي وقت تعجز فيه الدولة عن بسط سلطتها، تفرض جهات غير رسمية وقائعها على الأرض، ما يفرغ الحديث عن السيادة من مضمونه، ويضعف موقف لبنان على الساحة الدولية.

باتت بعثة لبنان في الأمم المتحدة عاجزة عن الدفاع عن استمرار “اليونيفيل” بشروطها الحالية، والضغوط تتزايد لسحب هذه القوة أو تقليص دورها، مما يهدد بفقدان آخر مظلة دولية تضمن استقرار الجنوب، وتفتح الباب أمام سيناريوهات إسرائيلية خطرة.

في ظل هذا المشهد المتفجر، لم تعد الخيارات كثيرة. لبنان أمام لحظة حاسمة، إما يعيد خلالها الاعتبار لمؤسسات الدولة، ويستعيد ثقة الخارج، أو يُترك نهباً للتجاذبات الإقليمية والانهيار الداخلي. غير أن الأزمة الأكبر تكمن في الطبقة السياسية نفسها، التي لا تزال تتعاطى مع الأزمة وكأن الزمن لا يزال يسمح بالمماطلة والمراوحة.

الخلاصة أن الوقت ينفد. فإما أن يولد مشروع دولة جديدة تحمي الجميع، أو يُترك لبنان ينهار على رؤوس أبنائه، وسط تخلي العالم وتقدّم الخراب

المصدر:أنطوان الأسمر
اللواء

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: