
برز مؤخرًا خبر دمج المقاتلين الأجانب، الذين يغلب عليهم الطابع المتشدّد، في صفوف الجيش السوري الجديد، الذي تشكّل على أنقاض جيش النظام السابق بعد سقوطه المدوي بعد أكثر من خمسة عقود من الحكم.
وتشمل هذه الخطوة دمج نحو 3500 عنصر، غالبيتهم من الإيغور، وقد جاءت هذه الخطوة بمباركة أميركية واضحة عبر مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا، توم برّاك، الذي تحدث عن وجود «تفاهم وشفافية» بين واشنطن ودمشق. وكانت المواقف الأميركية قد انتقلت من رفض قاطع إلى ترحيب حذر بعملية الدمج.
بدأ الرفض الأميركي منسوبًا إلى سجل هؤلاء المقاتلين الحافل بالتطرّف، وضلوع بعضهم في أعمال عنف دامية بحق السوريين، لا سيما في أحداث الساحل الأخيرة التي أضعفت ثقة الأقليات في النظام الجديد. كما ربطت واشنطن قبولها المشروط بهذا الدمج بضرورة إبعاد هؤلاء المقاتلين عن القوات النظامية، مقابل انفتاح أميركي محتمل على حكومة «سوريا الشرع» ورفع العقوبات.
أما الترحيب الحذر فكان نتيجة جهود مضنية قادها الرئيس أحمد الشرع وفريقه، الذين حاولوا إقناع الغرب بأن إدماج هؤلاء المقاتلين في الجيش النظامي أقل خطورة من تركهم خارج السيطرة، حيث من المرجح أن يلتحقوا مجددًا بتنظيمات متشددة مثل «القاعدة» و«داعش»، التي نشأوا فيها. كما تذكّر المفاوضون الغربيين بدور هؤلاء المقاتلين في إسقاط النظام السابق رغم عنف حكمه المستمر لعقود.
«الاندماج» في الجيش النظامي
رغم أن دمج المقاتلين المتشدّدين يشكل صدمة أولية في الداخل السوري، خاصة بين الأقليات القلقة، فإن انصهارهم داخل الجيش قد يطمئن المواطنين الذين تعبوا من الحروب ويتطلعون للاستقرار، كما يطمئن الدول الغربية. إذ إن وجودهم تحت قيادة وزارة الدفاع السورية يجبرهم على «الذوبان» في الجيش بدلًا من بقائهم خارج السيطرة، ويفقدهم ذريعة كونهم «قوات رديفة» خارجة عن القانون، إذ سبق أن تبنت الحكومة السورية هذا الموقف للتبرؤ من تجاوزاتهم وعملياتهم التي كانت بعضها طائفية. وبهذا، ستتعامل واشنطن والدول الغربية مع خطرهم عبر السلطات السورية مباشرة، وليس كمقاتلين مستقلين متحررين من أي رقابة.
ريب في الداخل والخارج
أكد الشرع أن هؤلاء المقاتلين الأجانب اندمجوا في المجتمعات المحلية، خاصة في شمال غرب سوريا، حيث تزوجوا وأنجبوا أطفالًا، وأن الحكومة تدرس إمكانية تجنيسهم وفق شروط قانونية بعد إصدار دستور جديد. كما طمأن المسؤولون الدول المعنية بأن هؤلاء المقاتلين لن يشكلوا تهديدًا لدولهم الأصلية أو دول الجوار.
ولا تتوفر أرقام رسمية دقيقة عن عدد المقاتلين الأجانب الذين فضلوا البقاء في سوريا، لكن معظمهم قاتل سابقًا ضمن «هيئة تحرير الشام»، التي لعبت دورًا بارزًا في المعارك التي أزاحت النظام السابق.
وكان ملف المقاتلين الأجانب قد برز بقوة عندما صدرت قرارات بترفيع ضباط شاركوا في غرفة «إدارة العمليات العسكرية» ليكونوا نواة الأركان الجديدة للجيش، بينهم ستة أجانب، ما أثار مخاوف وتساؤلات داخل سوريا وخارجها حول مدى جدية هذه الخطوة.
في ضوء هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمثل دمج المقاتلين الأجانب المتشدّدين في الجيش السوري فرصة لاستقرار البلاد، أم يشكل تهديدًا جديدًا للنظام والمجتمع؟
المصدر : نايف عازار – نداء الوطن