
في ظلّ التطورات المتسارعة في المنطقة، والتي بلغت ذروتها مع اندلاع مواجهات عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، يواجه لبنان لحظة حساسة تتطلب جهوزية قصوى واستعداداً شاملاً، خصوصاً مع تداخل المشهدين الإقليمي والداخلي وتعقّد الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
فلم تعد الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب مجرد مواجهة بالوكالة أو صراع استخباراتي، بل تحولت إلى مواجهة مباشرة باستخدام أسلحة استراتيجية استهدفت منشآت حيوية داخل إيران، ولا سيما المطارات. وردود إيران شملت المجالين البحري والجوي داخل إسرائيل، ما أثار قلقاً واسعاً في العواصم المجاورة، من بينها بيروت، التي ارتفعت فيها حالة التأهب على كل المستويات.
وفي هذا السياق، عقدت سلسلة اجتماعات أمنية رفيعة المستوى في القصر الجمهوري والسرايا، شاركت فيها القيادات السياسية والأمنية والعسكرية، لعرض الأوضاع ومتابعة تقارير الأجهزة المختصة بشأن تداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية على لبنان، لا سيما ما قد ينتج عنها من تأثيرات أمنية مباشرة وغير مباشرة.
ووفق معلومات خاصة، تم اتخاذ حزمة من الإجراءات الوقائية والفورية للحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز الأمن في جميع المناطق اللبنانية، مع التركيز على حماية المنشآت الحيوية، وفي مقدمتها مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، الذي يمثل شرياناً اقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً للبنان.
وشددت الأجهزة الأمنية على أهمية ضمان سلامة الطيران المدني، وتعزيز إجراءات الحماية في محيط المطار وأجوائه، بالتنسيق مع إدارة الطيران المدني والجهات الدولية المختصة، لضمان استمرار الملاحة الجوية بشكل طبيعي وآمن، في ظل احتمالات تصعيد قد يؤثر على الأجواء اللبنانية أو حركة الطيران في المنطقة.
وطالبت السلطات المختصة بتكثيف التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتفعيل غرف العمليات المشتركة لمتابعة التطورات لحظة بلحظة، مع تأكيد ضرورة الجهوزية الإدارية إلى جانب الأمنية، لضمان الاستجابة السريعة لأي طارئ، سواء على صعيد العمليات الميدانية أو الخدمات اللوجستية والبنية التحتية.
كما تقرر إبقاء الاجتماعات مفتوحة لمواكبة المستجدات، في ظل إدراك الدولة لحساسية المرحلة وتعقيدات المشهد الإقليمي، والحاجة إلى خطط وقائية استباقية، لا سيما مع احتمال توسع دائرة الصراع أو تصعيد غير محسوب في الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، ما قد يعرض لبنان لمخاطر كبيرة في ظل وجود فاعلين غير رسميين على أراضيه.
وفي هذا الإطار، تتعزز أهمية تحييد لبنان عن الصراع الإقليمي، وهو هدف يتطلب يقظة أمنية مشددة وغطاء سياسياً جامعاً يدعم الاستقرار ويمنع استغلال الأوضاع الإقليمية لتحقيق مكاسب داخلية، خصوصاً بعد تجارب سابقة بيّنت أن الفشل في فصل المسارات يزيد من انكشاف لبنان ويزج به في أتون مواجهات تفوق قدراته ومصالحه الوطنية.
المصدر : داود رمال- الانباء الكويتية