
منذ إطلاق محمد الضيف عملية “طوفان الأقصى”، بات واضحاً أن إسرائيل لن توقف هجومها قبل تحييد كامل القدرات العسكرية لمحور إيران. فالحرب، وفق الرؤية الإسرائيلية، لن تكتمل فصولها إلا عند ضرب رأس “الأخطبوط” لا أذرعه فقط، وإزالة مصدر الخطر الاستراتيجي على وجود الدولة العبرية.
ولم يكن مستغرباً أن يتحوّل الصراع من مواجهة الأذرع كـ”حماس” و”حزب الله”، إلى استهداف مباشر لطهران، بعدما ثبت لإسرائيل أن الإبقاء على “الرأس” يعني استعادة الأذرع لنشاطها عند أول فرصة. فالإيرانيون، في الحسابات الإسرائيلية، لا يكتفون بخسارة مؤقتة، بل يعيدون التسلّح والتخطيط بمجرد التقاط الأنفاس.
إخراج الأذرع من الخدمة
خسرت إيران إحدى وظائفها الأساسية: الدفاع عن مركزها عبر حروب الوكلاء. فدخول “حزب الله” في الحرب لم يسفر عن إنقاذ “حماس”، بل أدى إلى إنهاكه. ومع تمدّد العمليات إلى العمق الإيراني، أصبحت الميليشيات المتفرّعة عن طهران، بلا فاعلية عسكرية. حتى “حزب الله”، وهو الأكثر تجهيزاً، بدا محاصراً ومقيّداً، وبيئته الحاضنة مهدّدة بالتهجير.
ومع بدء الضربات الإسرائيلية المباشرة ضد طهران، يمكن القول إن “طوفان الأقصى” يقترب من نهايته، إيذاناً بتحوّل جيوسياسي كبير في الشرق الأوسط: نهاية زمن النفوذ الإيراني، أو على الأقل بدايته.
ثلاث حقائق كشفتها الحرب
- ضعف إيران في الحروب التقليدية: افتقرت إلى القدرات الاستخبارية والجوية المتقدّمة، واعتمدت على الصواريخ الباليستية كقوة ردع أساسية. المقارنة مع التفوّق الجوي والاستخباراتي الإسرائيلي أظهرت اختلالاً كبيراً في موازين القوى.
- قوة إيران عبر الميليشيات فقط: نفوذها كان فاعلاً فقط في دول مفكّكة، لا تمتلك قرارها السيادي. أما في المواجهة المباشرة مع أميركا أو إسرائيل، فظهر الهزال العسكري والسياسي للنظام الإيراني.
- استغلال التغاضي الدولي: استفادت طهران من تهاون المجتمع الدولي، بدءاً من إسقاط العراق وصولاً إلى اتفاق أوباما النووي، لبناء “إمبراطورية ميليشياوية”. لكن حين تقرّر استئصال هذا النفوذ، انهارت قواعده بسرعة.
قرار الحرب: نتنياهو في مواجهة الخامنئي
ورغم الدعم الأميركي، فإن قرار ضرب إيران اتخذه بنيامين نتنياهو نفسه، بوصفه صاحب مشروع تصفية الخطر الإيراني. ولو كان غيره على رأس السلطة، كإيهود أولمرت مثلاً، لما اتُّخذ القرار نفسه. فنتنياهو كان ينتظر اللحظة المناسبة، وهو من عارض التسويات مع إيران في عهد بايدن، ورأى في “طوفان الأقصى” فرصة لإعلان الحرب الشاملة.
أخطأ علي خامنئي في حساباته، وارتكب ثلاثة أخطاء استراتيجية:
- الأول: اعتقاده أن إسرائيل لن تجرؤ على ضرب إيران مباشرة.
- الثاني: عدم فهمه لطبيعة الضربات الإسرائيلية الاستكشافية التي سبقت الحرب الكبرى.
- الثالث: قناعته بأن إسرائيل تكتفي بتصفية أذرع إيران، في حين أن هدفها الحقيقي هو قلب النظام أو شلّ قدراته العسكرية والنووية.
الفرصة الضائعة
كان بإمكان خامنئي أن يتفادى هذا السيناريو لو التقط مبادرة ترامب بعقد اتفاق بشروط أفضل. لكنه راهن على الوقت والمناورات، فخسر التوقيت والميدان، وسقط في هاوية المواجهة المباشرة التي لم يكن مستعداً لها.
اليوم، إسرائيل تخوض ما تعتبره “الفصل الأخير” من حربها ضد المحور الإيراني، وهي لن تتوقّف قبل ضمان شلّ قدرات طهران. ومع ذلك، فإن انتهاء هذه المواجهة لن يعني نهاية أزمات المنطقة، لكنه يفتح الباب أمام مقاربة جديدة للصراعات المستعصية.
لبنان… أبرز المستفيدين؟
في ظل تقهقر المحور الإيراني، يبدو لبنان مرشّحاً ليكون من أبرز المستفيدين من هذه التحولات، إذ كان لعقود المتضرر الأكبر من سياسات “حزب الله” وتبعيته الإقليمية. ومع أفول “الثورة الإيرانية”، ربما يُفتح باب جديد لبناء الدولة اللبنانية على أنقاض الوصاية.
المصدر : شارل جبور – نداء الوطن