
خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، ورغم دخول البلاد في اقتصاد الحرب، لم تتأثر سلسلة التوريد للمواد الاستهلاكية والغذائية، مثل النفط والقمح والحبوب وغيرها. إلا أن الحرب الأخيرة كشفت أن مخزون لبنان من المواد الأساسية يبقى على حاله في أوقات السلم والحرب، مع محدودية القدرة على رفع هذا المخزون أو التحوّط بشكل أكبر حتى في أهم المواد كالنفط والقمح.
فهل اختلف الوضع اليوم مع تصاعد المخاوف من توسع الصراع الإسرائيلي – الإيراني وتحوله إلى مواجهة إقليمية أوسع؟ وما مدى استعداد لبنان لتحصين نفسه من تداعيات التطورات الأمنية والتصعيد العسكري؟ وهل تعلّم من تجاربه السابقة ووضع خطة احترازية تحسباً لأي حصار بحري أو أزمات محتملة؟ وهل لدى الحكومة سياسة واضحة لتعزيز المخزون الوطني من المواد الأساسية؟
في هذا السياق، أكد مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر أن سلسلة التوريد لم تتأثر حتى الآن جراء التوترات، وأن الأمن الغذائي مستقر ولا توجد مؤشرات سلبية على المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية والاستهلاكية. لكنه حذر من أن توسع الحرب في المنطقة قد يؤدي إلى توقف الشحنات وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ. وأوضح أن أي توتر في مضيق باب المندب سيجبر الشحنات على اختيار مسارات بديلة مثل القرن الإفريقي ومضيق جبل طارق، ما يزيد مدة وصول البضائع إلى لبنان بحوالي ثلاثة أسابيع.
وأشار أبو حيدر إلى أن تكاليف التأمين على الشحنات سترتفع تلقائياً في حال توسع الحرب، مما سينعكس بزيادة أسعار كافة المواد.
بدوره، طمأن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، مشيراً إلى أن لبنان يمتلك مخزوناً كافياً من المواد الغذائية يغطي الاستهلاك المحلي لنحو ثلاثة أشهر، وأن عمليات الاستيراد مستمرة حسب الجداول المحددة، ومعظمها عبر البحر، وهو ما يبعد خطوط الملاحة البحرية عن التهديدات الحالية، طالما بقيت العمليات العسكرية محصورة بين إسرائيل وإيران.
أما فيما يتعلق بأسعار النفط، التي بدأت تشهد ارتفاعاً متسارعاً بسبب التوترات عند مضيق هرمز، فأوضح أبو حيدر أن لبنان يمتلك مخزون نفطي يكفي لفترة تتراوح بين شهر وشهر ونصف، إضافة إلى مخزون غاز يكفي لشهرين إلى شهرين ونصف، دون احتساب الكميات المخزنة لدى محطات الوقود والتجار، مؤكداً أن قدرة التخزين الحالية هي الحد الأقصى الممكن.
وحذر من أن أي تعقيدات في مسار الشحن البحري على مضيق باب المندب ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وارتفاع كلفة الشحن والتأمين، ما سينعكس على أسعار المحروقات محلياً، نتيجة اضطرار الناقلات لاختيار مسارات أطول وأكثر تكلفة.
ورغم هذه المخاوف، أكد أبو حيدر أنه حتى الآن لا توجد تداعيات سلبية مباشرة نتيجة الصراع الإسرائيلي – الإيراني، بل مجرد خشية من تداعيات محتملة في حال اتسع نطاق الحرب.
من جانب آخر، يشهد القطاع الصناعي ارتفاعاً في حجم التصدير واستيراد المواد الأولية، كجزء من الإجراءات الاحترازية تحسباً لأي انقطاع محتمل في الملاحة البحرية، وحرصاً على تفادي تأخر الطلبات التصديرية وارتفاع تكاليف الشحن مع زيادة المخاطر.
أما عن الإجراءات الحكومية، فأوضح أبو حيدر أن سياسة الاحتياط الحالية التي تعتمدها الوزارة منذ خمس سنوات تركز على تأمين مخزون استراتيجي من المواد الغذائية والاستهلاكية يكفي من 3 إلى 4 أشهر، مؤكداً عدم حاجة البلاد إلى إجراءات إضافية طالما أن المعابر البحرية مفتوحة، مشيراً إلى صعوبة زيادة المخزون الغذائي بسبب تواريخ صلاحية المواد.
وأشار إلى أن مخزون القمح يكفي لمدّة بين 3 إلى 4 أشهر، وأن رفع الدعم عن القمح أزال المخاوف السابقة المتعلقة به.
وفي الختام، طمأن أبو حيدر اللبنانيين بعدم وجود مخاطر على انقطاع السلع الأساسية، مع التأكيد على احتمالية ارتفاع الأسعار في حال توسع النزاع، مستدركاً أن ذلك سيكون نتيجة طبيعية لأي تصعيد إقليمي.
المصدر: رنى سعرتي – نداء الوطن