
في بداية شباط 1979، عاد الإمام الخميني إلى طهران على متن طائرة “إير فرانس” برفقة عدد من اللبنانيين الشيعة الذين أصبحوا لاحقًا شخصيات بارزة في لبنان وإيران. قبل أن تخضع الثورة الإسلامية لتنقية داخلية تستهدف قياداتها وأهدافها، بدأ “حزب الله” بالظهور في لبنان كذراع أساسية للثورة الإسلامية الإيرانية ولتصديرها. فقد كان الشيعة في تلك الفترة بلا موقع قوة مستقل سوى في لبنان. نما دور “حزب الله” بالتزامن مع صعود الثورة الإيرانية، واليوم يواجه خطر الزوال إذا انتهى النظام الإيراني. فـ”حزب الله” وُلد مع النظام الإيراني وسينتهي معه.
لا وجود لـ”حزب الله” خارج إطار نظام ولاية الفقيه الإيراني، الذي يمده بكل ما يحتاجه من قوة، لكنه ينقل إليه ضعفاته أيضًا. لا فاصل بين ولادة الحزب وبين النظام الحاكم.
قبل وصول وحدات الحرس الثوري الإيراني إلى بعلبك في صيف 1982 عبر سوريا، كان “حزب الله” يتشكل من مجموعات محلية شيعية متأثرة بثقافة ولاية الفقيه التي رسمها الخميني، فبدأ كحركة دينية وتنظيمية قبل أن يتحول إلى قوة عسكرية وأمنية تنفذ توجيهات الولي الفقيه، متخذاً من الغطاء السياسي وسيلة لتثبيت وجوده في لبنان.
يمثل الخميني نقطة انطلاق ولاية الفقيه، فيما يمثل حسن نصرالله، الأمين العام لـ”حزب الله”، هذه القوة خارج إيران، جامعًا السلطات السياسية والعسكرية والدينية في لبنان وخارجه. هذا التوسع منح إيران حضورًا قويًا على المستوى الأمني في المنطقة، مع وجود أذرع أخرى مثل الحشد الشعبي في العراق، الحوثيين في اليمن، وحركات فلسطينية أخرى.
بدأ “حزب الله” من رحم جماعات شيعية لبنانية صغيرة، انشق بعضها عن حركة أمل، وكان حسن نصرالله من بين قادتها، واعترضت طهران على بعض مشاركات سياسية لهذه الحركة، مما دفع إلى تأسيس حزب يحمل مشروع ولاية الفقيه.
صار الحزب أداة أمنية إيرانية معروفة، واتُهم بتنفيذ العديد من العمليات ضد المصالح الأميركية والغربية في لبنان وخارجه خلال الثمانينيات والتسعينيات.
في 16 شباط 1985، أصدر الحزب بيانه الأول معلناً انتماءه لأمة الإسلام ولولاية الفقيه، معلناً ولاءه المطلق للخميني وأوامره، ومعتبرًا نفسه جزءًا من نضال الأمة الإسلامية العالمي.
بعد تولي نصرالله قيادة الحزب عام 1992، أكد مرارًا أنه “جندي في جيش ولاية الفقيه”، معتبرًا تنفيذ أوامر الولي الفقيه واجبًا أعلى من الدستور اللبناني.
على مدار أكثر من 32 عامًا، نجح نصرالله في ترسيخ مكانته ليس فقط كزعيم سياسي وأمني، بل كرمز ديني وفقهي، حتى أن اغتياله اعتبره أتباعه علامة دينية كبرى، ما انعكس في تشييع ضخم وبناء مرقد يوازي مقاميات دينية شيعية تاريخية.
بعد تدخل إيران في دول المنطقة، من أفغانستان إلى العراق واليمن، توسع نفوذها عبر أذرع متعددة، لكن منذ عام 2023 بدأت إسرائيل حربًا لاستئصال هذه الأذرع، بدءًا من “حماس” في غزة، مرورًا بـ”حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، في محاولة لإنهاء النفوذ الإيراني.
“حزب الله” الذي نشأ مع الثورة الإسلامية، يواجه اليوم مصيرًا مرتبطًا بمصير النظام الإيراني. إذ يُطرح السؤال: هل سينهار الحزب بانهيار ولاية الفقيه؟ أم سيبقى فقط بقايا تنظيم متقاعد بعد خسارة المشروع الإيراني الكبير في المنطقة؟
المصدر : نجم الهاشم – نداء الوطن