
بقلم ندى جوني
مع اقتراب الاستحقاق النيابي في عام 2026، تشتعل المعركة السياسية باكراً تحت قبة البرلمان اللبناني، حيث بدأت القوى السياسية بالتراشق حول قانون الانتخاب الذي أُقرّ عام 2017 واعتمد في دورتي 2018 و2022. وبين من يطالب بتعديله أو إعادة النظر في بعض بنوده، ومن يصرّ على الإبقاء عليه كما هو، تبرز انقسامات حادة تعكس صراع المصالح والرؤى. في هذا السياق، تتباين وجهات نظر النواب، خصوصاً بين من ينتمي إلى المجتمع المدني والمستقلين، وبين ممثلي الأحزاب التقليدية.
” ديموقراطيا نيوز ” أجرى لقاءًا مع كل من النائبين مارك ضو و فادي كرم، لتسليط الضوء على موقفهما من أبرز القضايا الجدلية الخاصة بالقانون الانتخابي، وعلى رأسها: مقاعد المغتربين الستة، البطاقة الممغنطة، الميغاسنتر، تقسيم الدوائر، والصوت التفضيلي.
ضو: نرفض تخصيص مقاعد للمغتربين و نطالب بانتخابات عادلة ومتساوية لكل اللبنانيين
يشير النائب مارك ضو إلى رفضه القاطع لإضافة المقاعد الستة المخصصة للمغتربين، معتبراً أن اللبنانيين في الخارج يجب أن يتمتعوا بحق الاقتراع أسوة بالمقيمين في الداخل، لمرشحي البرلمان الكامل المؤلف من 128 نائباً، تماماً كما جرى في انتخابات عامي 2018 و2022. ويشدد على ضرورة تثبيت هذا الحق قانونياً من خلال تعديل يُقرّ عام 2025، ليُبنى عليه الاستحقاق الانتخابي المرتقب في 2026.
ويعتبر ضو أن حرمان المغتربين من هذا الحق بحجة عدم قدرة بعض القوى السياسية على إجراء حملاتها الانتخابية في الخارج أمر غير مقبول، مؤكداً أن التواصل مع الناخبين يجب أن يتم عبر كل الوسائل المتاحة، ولا يمكن تقييده أو جعله مبرراً لتقييد حق الاقتراع.
وعن الإصلاحات التقنية، يرى أن البطاقة الممغنطة تمثّل تكنولوجيا قديمة يجب التخلي عنها، واستبدالها بمنظومة تسجيل إلكتروني تشمل جميع اللبنانيين، تماماً كما استطاع المغتربون التسجيل إلكترونياً من قبل.
وفي ما يخص التقسيم الانتخابي، يشدد ضو على ضرورة إعادة النظر في توزيع بعض الدوائر، وخاصة في مناطق مثل صيدا وجزين، مطالباً بفصل حاصبيا عن مرجعيون، وبعلبك عن الهرمل وخفض الحاصل الانتخابي إلى 5% أو أقل لضمان عدالة التمثيل.
ويصف ضو مشاريع القوانين الخمسة المطروحة لتعديل قانون الانتخاب بأنها “من زمنٍ آخر وغير جدية”، باستثناء اقتراح الدائرة الفردية، الذي يعتبره قابلاً للنقاش أو التعديل من خلال إعادة النظر في أحجام الدوائر ضمن المحافظات. ويؤكد تمسكه بمبدأ الدولة المدنية وتطبيق المادة 95 من الدستور كإطار يضمن العدالة والتمثيل الصحيح.
وفي ختام مداخلته، يرى ضو أن الضمانة الأساسية لإجراء انتخابات نزيهة تبدأ من نزع السلاح الذي يخلق مناخاً من الترهيب ويقوّض التنافس الديمقراطي، كما شدد على ضرورة وقف شراء الذمم الإعلامية بالمال، باعتبارها من أبرز التحديات أمام الشفافية الانتخابية.
كرم: القانون الانتخابي الحالي الأفضل لتمثيل اللبنانيين… وأي تعديل جذري قد ينسف الانتخابات المقبلة
يؤكد النائب فادي كرم أن القانون الانتخابي المعتمد حالياً (رقم 44/2017) هو أفضل ما أُقرّ حتى اليوم، لأنه أمّن، برأيه، أوسع تمثيل حقيقي للأطراف السياسية من خلال مرشحيهم الفعليين، رغم بعض الثغرات التي لا تنفي فعاليته. ويرى أن هذا القانون أتاح نسبة تمثيل عالية لكل القوى، مقارنة بما طُرح في السنوات الماضية من قوانين بديلة لم تنجح في تحقيق هذا الهدف.
و يحذر كرم من أن طرح قانون انتخابي جديد حالياً يُعد بمثابة محاولة لنسف الانتخابات النيابية المقبلة، إذ استغرق إقرار القانون الحالي سنوات من النقاشات والجهود، وأي تعديل جذري الآن قد يُستخدم كذريعة لتأجيل الاستحقاق الانتخابي.
و بخصوص الصوت التفضيلي، لا يمانع كرم إدخال تعديلات جزئية عليه، لكنه يشدد على ضرورة أن لا تؤدي هذه التعديلات إلى فتح الباب أمام تغييرات جوهرية تؤثر على موعد الانتخابات أو آليتها.
أما في ما يخص المقاعد الستة المخصصة للمغتربين، فيؤكد كرم أن اقتراحاً واضحاً تم تقديمه سابقاً لتعليق العمل بهذه المادة، بهدف الإبقاء على حق المغتربين في الاقتراع للـ128 نائباً، كما حصل في انتخابات 2018 و2022، لما في ذلك من تعزيز لوحدة المجلس النيابي وتمثيله المتوازن.
و في الشق التقني، يرى كرم أن تطبيق الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة أمر يعود إلى قدرة وزارة الداخلية على توفير البنية التحتية اللازمة قبل موعد الانتخابات، مشيراً إلى أن اعتماد هذه الوسائل من شأنه تسهيل العملية الانتخابية، والحدّ من الضغط الذي تمارسه بعض الأطراف السياسية على الناخبين.
وعن الطروحات المتعلقة بإنشاء مجلس شيوخ أو تعديل النظام السياسي، يشير كرم إلى أن هذه القضايا يجب أن تُبحث بشكل منفصل ومستقل، ولا يجوز ربطها بقانون الانتخاب، إذ لكل منها مسارها السياسي والدستوري الخاص.
ويختتم النائب كرم مداخلته بالتأكيد أن إجراء الانتخابات بنزاهة يتطلب حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط، معتبراً أن أي وجود للسلاح خارج سلطة الدولة يُفقد المواطن حريته، ويعرّض العملية الديمقراطية للضغوط والتهديدات.
بين الدعوة إلى تحديث القانون الانتخابي وضمان عدالته وتكافؤ الفرص، وبين التمسك بالقانون الحالي تفادياً لتأجيل الانتخابات، تبقى المعركة مفتوحة على مصراعيها داخل المجلس النيابي. تتقاطع المواقف أحياناً وتتعارض أحياناً أخرى، لكن الثابت الوحيد هو أن قانون الانتخاب سيشكّل محوراً مركزياً في الصراع السياسي في الأشهر المقبلة، وسط تساؤلات جوهرية: هل يكون 2026 موعداً لانتخابات فعلية؟ أم تُستخدم التعديلات كذريعة لتطيير الاستحقاق؟ ما بين هاجس الإصلاح ومخاوف التأجيل، تبقى أنظار اللبنانيين شاخصة نحو قانون يحسم مصير تمثيلهم الديمقراطي في الداخل والخارج.