صندوق النقد يضغط لفتح ملفات الهدر والفساد

يعدّ التدقيق المالي في مؤسسات الدولة من أبرز الشروط التي يطرحها صندوق النقد الدولي في إطار مساعدة لبنان على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لاستعادة الاستقرار المالي. هذا التدقيق سيُظهر حجم الهدر والخسائر في كل مؤسسة عامة، ويتيح لاحقاً اتخاذ قرارات مناسبة لتقليص الدعم أو إعادة هيكلة تلك المؤسسات.

ويعمل صندوق النقد الدولي بالتعاون مع وزارة المالية على تنفيذ هذا الشرط، الذي يشمل جميع المؤسسات والمجالس والصناديق العامة، والتي لطالما شكّلت مساحات واسعة للهدر والفساد، لا سيما في قطاع الكهرباء. ويترافق هذا الإجراء مع التوصيات المتعلقة بالشفافية، ومكافحة الفساد، وتحسين أداء المؤسسات المملوكة للدولة، وخصوصاً شركة الكهرباء، التي حصلت أخيراً على قرض من البنك الدولي في إطار دعم إصلاح هذا القطاع.

ورغم وعود الحكومات المتعاقبة بتدقيق حسابات المؤسسات وطرح مشاريع قوانين للدمج أو الإلغاء، وآخرها ما قدمته حكومة نجيب ميقاتي، لم يُسجّل أي تقدم فعلي حتى الآن. ويُذكر أن عدد المؤسسات والهيئات العامة يبلغ حوالى 143، تتفاوت في أهميتها وفعاليتها، وبعضها مطروح للإلغاء أو الدمج بسبب ضعف الأداء أو انعدام الجدوى.

وقد شمل التعميم الصادر عن رئيس الحكومة نواف سلام في شباط 2025، دعوة جميع المؤسسات العامة للخضوع لتدقيق مالي داخلي ومستقل من قبل مكاتب تدقيق معتمدة، تعزيزاً للشفافية ومنعاً لهدر المال العام.

وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي ومنسق سابق في صندوق النقد الدولي، منير راشد، في حديث إلى “نداء الوطن”، أن العديد من المؤسسات العامة، مثل مؤسسة الكهرباء، أوجيرو، طيران الشرق الأوسط، الكازينو، ومؤسسات المياه، لا تنشر ميزانيات سنوية أو بيانات دخل واضحة، ما يجعل من المستحيل قياس أدائها المالي. وأشار إلى أن مؤسسة الكهرباء وحدها كانت تتلقى نحو 1.5 مليار دولار سنوياً من الخزينة، من دون توضيح حجم خسائرها بدقة.

وأكد راشد أن الحكومة طلبت التعاقد مع شركات تدقيق مالي، لكنها لم تحدد الفترة الزمنية التي ستغطيها عملية التدقيق، في حين أن المطلوب هو مراجعة حسابات المؤسسات لخمس سنوات على الأقل، من أجل تقييم دقيق لمصادر الهدر والخسائر. ولفت إلى أن بعض المؤسسات لم تُدقَّق حساباتها منذ أكثر من 20 عاماً، بينما تقوم مؤسسات أخرى بتدقيق داخلي لا يُعلَن عنه.

وشرح راشد أن الهدف الأساسي من التدقيق هو تحديد المؤسسات الخاسرة والربحية، وتقييم الدعم الذي تحصل عليه من الدولة، وعدد موظفيها، وكلفة الرواتب، بهدف مقارنتها بنظيراتها في دول أخرى. ويُفترض أن يساهم هذا التقييم في إعداد موازنة تحتوي على فائض أوّلي، كما يشترط صندوق النقد.

وأضاف أن التدقيق المالي سيكون أداة لتحديد الإجراءات التصحيحية: كرفع تعرفة الكهرباء إذا ثبت أنها مصدر خسارة، أو خفض عدد الموظفين إذا كان التضخم الوظيفي السبب، أو غيرها من المعالجات بحسب طبيعة كل مؤسسة.

وختم راشد بالتشديد على أهمية التعاقد مع شركات تدقيق مالية معروفة مثل PwC وغيرها، لضمان شفافية ومصداقية العملية، خصوصاً في المؤسسات الأساسية مثل الكهرباء، الاتصالات، المياه، الضمان الاجتماعي، الكازينو، وطيران الشرق الأوسط، التي تُعدّ من الأكثر حاجة للتقييم والمساءلة.

المصدر : رنى سعرتي- نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: