بقلم جوزاف وهبه

لا يستطيع “الشيخ نعيم” (ولو أراد) أن يصمت عن الكلام غير المباح.فهو صاحب تكليف شرعي بأن يدافع عن “المرشد الأعلى” الذي يملك مفاتيح الجنّة، ويملك السرّ الأقدس إلى حين قدوم “المهدي المنتظر”.وهو أيضاً يملك مفاتيح المال الحلال الذي يغذّي القرض الحسن، والسلاح العابر للقارات الذي لا يخيب، وعزوة الهلال الشيعي الذي لا تغيب عنه الشمس..أليس كذلك؟

في عزّ الطوفان الذي أطاح بكلّ الساحات ومسانديها وصولاً إلى الساحة / الأمّ طهران، يتدخّل الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بكلام مغاير لكلّ شبكة الأمان التي يسعى أركان الدولة إلى نسجها، ولو بخيوط واهية، حول البلد، فيعلن، من خارج الخطاب المتداول “أنّ الحزب قد لا يقف على الحياد إذا ما تطوّرت الحرب ما بين إيران وإسرائيل”، بمعنى أنّه قد يعاود تجربة الإسناد المُرّة التي أعادت الإحتلال إلى الجنوب، ودمّرت القرى والبلدات الأمامية، وأحالت مئات المنازل والبنايات إلى ركام في الجنوب وضاحية بيروت وبعلبك والبقاع، وجعلت من سماء لبنان مجالاً مستباحاً لكلّ أنواع الطائرات الإسرائيلية، وأودت بقيادات الصفّ الأول والثاني والثالث، وبلغت مداها الحدود الإيرانية – العراقية حيث استهدفت “الدرع الأمين” أبو علي خليل (مرافق نصرالله الشخصي) ونجله..وما تزال، وبمعنى أكثر خطورةً ودلالةً يوحي الأمين العام للحزب أنّ “قرار السلم والحرب” لم يزل متأرجحاً بين تأكيد الدولة على ذلك، وبين تشكيك الحزب في ذلك خدمةً لمشروعه الأساس كجزء لا يتجزّأ من أمن وأمان ومصالح دولة إيران!

لقد سارع الطرف الثاني في الثنائي الشيعي إلى التخفيف من وطأة الكلام، بالترويج عبر المصادر أنّ كلام نبيه برّي حول عدم الإنجرار الى الحرب “دقيق” ينسجم مع مصالح الدولة اللبنانية وتوجّهات الخارج، فيما كلام الشيخ نعيم “غير دقيق” ويستهدف البيئة الحاضنة، ليس إلّا:فمَن نصدّق؟ وهل تكتفي دول الخارج (من الخليج إلى أميركا وأوروبا) بطمأنة رئيس الجمهورية جوزاف عون بأن “لا حرب”..أم أنّ الجميع (بمَن فيهم نحن عامّة الناس) نضع أيادينا على قلوبنا، خوفاً من ضغط الحزب على زناد سلاحه (أو ما تبقّى منه) فتنفجر الساحة اللبنانية من جديد، بما يفوق الويلات التي مضت، والتي لا تزال جراحها ساخنة، وآثارها بيّنة في كلّ مكان وعائلة وقلب؟

لقد دخل “العنصر المبدّل” (كما يُقال في اللغة الأدبيّة للعناصر المكوّنة لأيّ قصّة أو رواية) على الحرب الدائرة:الرئيس الأميركي ترامب نفّذ وعده ووعيده ووجّه طائراته الإستراتيجية إلى كلّ من المفاعل النووية الإيرانيّة في فوردو ونظنط وأصفهان، ما يعني “تدخّلاً سافراً” في الحرب لمصلحة إسرائيل..فما الذي ستفعله أذرع إيران التي “أكلت وشربت وتموّلت وتسلّحت وقويت” على سفرة المرشد الأعلى، وبشكل خاصّ، ماذا ستفعل قيادة حزب الله، وهل ينفّذ “الشيخ نعيم” كلامه بأنّ الحزب “ليس على الحياد”؟

بكلام بسيط نتوجّه إلى الأمين العام الجديد الذي لا يُشبه بشيء الأمين العام التاريخي الذي لم تحمِهِ كلّ احتياطات وتحصينات المقاومة الإسلامية، ولم تحمِهِ كلّ الحسابات القائلة بأنّ “نتانياهو لا يجرؤ على فعلها”، وقد فعلها بدم بارد، وهو في قاعة الأمم المتحدة، ويفعلها (وربّما يمكن التأكيد بعد المشاركة الأميركية في الحرب بأنّه سيفعلها) مع المرشد الخامنئي، غير آبهٍ بكلّ التداعيات الممكنة.الغلبة للقوي، والسمك الكبير يأكل الأسماك الصغيرة:وإذا كان نصرالله والخامنئي سمكتين صغيرتين في حسابات صانعي الشرق الأوسط الجديد، فكيف ستكون الحال بالنسبة لك ولقراراتك “شيخ نعيم”؟

لبنان لا يحتمل.نحن ننوء تحت عبء مالي – إقتصادي – إجتماعي ثقيل:أنظر إلى رأسيّ الدولة جوزاف عون ونوّاف سلام، هما يدوران من عاصمة إلى أخرى بحثاً عن مجرّد تمويل لرفع، أقلّه، الردم من الضاحية الجنوبية وربّما عن جثامين الكثير من المقاتلين المفقودين الذين لا زالوا تحت ركام منازلهم وقراهم في الشريط الحدودي المسوّى بالأرض..البيئة الحاضنة لا تحتمل، ولو رُفعت بعض القبضات والأصوات “لبّيك نصرالله..لبّيك يا حسين”.الصراخ لا يصنع مستقبلاً، ولا يوفّر القوت والعمل للناس.الصراخ تأخذه الرياح إلى اللامكان، فيما يبقى الوجع في القلب والغصّة في الحلق، وتبقى البيوت مهدّمة والكرامات مُداسة بحكم التهجير والتشرّد وخسارة العيال والأرزاق والأمل!

“شيخ نعيم”، الوقت ليس للتحاذق، ولا للحسابات الخاطئة، ولا للعنتريّات التي تولّد الويلات ليس إلّا.الوقت مُتاح فقط للخوف، وللحياد الحقيقي عمّا يدور من حروب كبيرة، وللتسليم النهائي بأنّ تجربة المقاومة قد أخفقت، وحان أوان التسليم (قراراً وسلاحاً وقرضاً حسناً) للدولة الجديدة علّها تنقذ ما يمكن إنقاذه، علّها تفتح أبواباً جديدة على الحياة الطبيعية التي نتوق إليها جميعاً.
أيّ خروج على الحياد هو أقصر الطرق لمزيد من الموت، وستكون أنت شخصيّاً أوّل الضحايا.لقد جرّب قائدك الأعلى حظّه، وها هو مجرّد مزار للطم والنواح.فلا تجرّب حظّك، فلن تحظى حتى بمزار أو ضريح، وربّما لن تحظى بجنازة تليق بمقامك!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: