الضربة الأميركية على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان: استهداف القلب النابض للبرنامج النووي الإيراني .. العميد حسن جوني يقرأ تداعيات القصف الأميركي ويحلل معادلات الصراع الإقليمي

بقلم ندى جوني

بعد هجوم شنّته إسرائيل على ايران فجر 13 حزيران 2025، و الذي بدأ بإغتيالات استهدفت قيادات و علماء نوويين بارزين بعد فشل المفاوضات الأميركية الإيرانية، تصاعدت المواجهة بسرعة غير مسبوقة في المنطقة. مما دفع طهران إلى إطلاق أكثر من 170 صاروخاً باليستياً ومجنحاً باتجاه أهداف استراتيجية في العمق الإسرائيلي، من بينها محطات توليد الكهرباء، قواعد عسكرية، ومراكز قيادة حيوية، والتي شكّلت صدمة حقيقية، إذ اخترقت منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية الإسرائيلية للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة، مُخلّفة دماراً وذعراً كبيراً في صفوف المستوطنين.

في ظلّ هذا التصعيد، جاءت الضربة الأميركية المباشرة في 22 حزيران، حيث نفذت الولايات المتحدة هجمات جوية باستخدام قاذفات “B-2” الشبحية استهدفت المنشآت النووية الأكثر أهمية في إيران: فوردو، نطنز، وأصفهان. هذه العملية، التي لم تُعلن كحرب رسمية، حملت رسالة واضحة بأن واشنطن لن تسمح للمشروع النووي الإيراني بتجاوز الحدود التي قد تهدد أمن إسرائيل.

ضمن الإطار نفسه، تثير هذه التطورات تساؤلات عديدة: ما هي أهداف التدخل الأميركي المباشر؟ لماذا فضّلت الولايات المتحدة تصعيدًا محدوداً بعيداً عن إعلان حرب شاملة؟ كيف يتقاطع هذا التصعيد مع الحسابات الإسرائيلية، وردود فعل روسيا والصين، والتوازنات الدولية المتغيرة؟
لذلك، أجرى موقع “ديموقراطيا نيوز” حوارًا خاصًا مع العميد المتقاعد و الخبير العسكري حسن جوني.

المثلث النووي الإيراني: فوردو، نطنز، وأصفهان تحت هجمات السلاح الأميركي

تُشكل منشآت فوردو ونطنز وأصفهان الركائز الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، وتُعد هذه المواقع الثلاثة القلب النابض لمشاريع التخصيب والتطوير البحثي النووي في البلاد. لذلك، كانت هدفاً مباشراً للهجمات الإسرائيلية والأميركية ضمن سعي متواصل لكبح الطموح النووي الإيراني، قبل أن يقدم السلاح الأميركي بقصفها فجر 22 حزيران 2025.”

منشأة فوردو: العمق الحصين

منشأة فوردو، الواقعة قرب مدينة قم، بُنيت داخل جبل صخري على عمق يتراوح بين 80 و100 متر، في موقع يصعب استهدافه جواً. وقد أصبحت اليوم تنتج الجزء الأكبر من اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 60%. تعتمد فوردو على تغذية باليورانيوم المخصب بنسبة 20%، ما يمنحها كفاءة أعلى من غيرها من المنشآت. وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إنتاجها بلغ نحو 166.6 كغ خلال ربع واحد، وهي كمية قابلة للتحول إلى مواد تستخدم في صناعة أقل من أربع قنابل نووية. فجر الأحد الواقع في 22 حزيران 2025، استهدفت الولايات المتحدة ” فوردو” بقاذفات “بي-2″، حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نهاية الموقع، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت لاحقاً أن المنشأة لم تتعرض لأضرار مباشرة تُذكر”.

منشأة نطنز: المركز الصناعي الأكبر

أمّا منشأة “نطنز “، الواقعة جنوب شرقي طهران، فتعد المركز الصناعي الرئيسي للتخصيب في إيران، وتضم منشآت تحت الأرض وفوقها. كانت تنتج اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60% قبل أن تستهدفها إسرائيل بضربة شلّت المنشآت السطحية وقطعت التيار الكهربائي عن الموقع، مما أدى إلى تعطيل أو تدمير غالبية أجهزة الطرد المركزي، بحسب وكالة الطاقة الذرية.”

مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية: قاعدة البحث والتحويل

في المقابل، يبرز مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية بوصفه المحور العلمي للبرنامج، ويقع على بُعد نحو 350 كيلومتراً جنوب شرقي طهران. يضم المركز آلاف العلماء وثلاثة مفاعلات بحثية صينية، إضافة إلى مختبرات ومنشآت لتحويل اليورانيوم، وهي حلقة أساسية في دورة الوقود النووي. وقد استهدفت إسرائيل عدداً من مباني المركز، بينها منشأة التحويل، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت عدم تسجيل أي تسرب إشعاعي أو ارتفاع في مستويات الإشعاع في الموقع، ما يشير إلى أن الضرر اقتصر على البنية الفوقية.”

العميد المتقاعد حسن جوني: الضربة الأميركية قد ترسم مشهداً جديداً في الصراع مع إيران

يرى العميد جوني أن ‘الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت منشآت إيرانية قد تكون لحظة مفصلية في مسار الصراع الإقليمي، وقد تُفضي إلى أحد سيناريوهين متناقضين: إمّا انفجار واسع في المنطقة، أو تسوية ضمنية تُخرج الطرفين من المواجهة الحالية دون خاسر واضح”.

وبحسب جوني، فإن “توقيت الضربة، وسرعة الإعلان الأميركي الإسرائيلي عنها، قد توحي بأنها لا تندرج ضمن سياق الحرب الشاملة، بل في إطار رسم معادلة جديدة تتيح لكل طرف التقدّم بخطوة إلى الخلف. فمن جهة، أعلن الإيرانيون أنهم كانوا قد أخرجوا كميات اليورانيوم المخصّب من المنشآت قبل الضربة، ما يعني أن مشروعهم النووي لم يُصب بأذى جوهري. ومن جهة أخرى، سارعت واشنطن وتل أبيب إلى اعتبار أن المداخل الرئيسية لمنشأة “فوردو” قد تم تدميرها، وأن العملية حقّقت هدفها الإستراتيجي. في هذا السياق، قد تُبنى تسوية واقعية يخرج فيها الطرفان ببيانات انتصار، تُنهي مرحليًا هذا النزاع المتصاعد”.

غير أن جوني لا يستبعد إطلاقاً احتمال الردّ الإيراني، ولو بشكل مدروس أو محدود، معتبراً أن “طهران لن تقبل بمرور هذا النوع من الإستهداف دون ردّ، خاصة في ظل ما يشكّله المشروع النووي من ركيزة استراتيجية لنظامها السياسي والأمني. وفي حال حصل الردّ الإيراني، فإن المشهد قد ينتقل إلى سيناريو أكثر خطورة، حيث يُفتح الباب أمام ردود فعل أميركية وإسرائيلية متتالية، ما يفرض التساؤل حول النوايا الأميركية الفعلية: هل تقتصر على ضرب المنشآت النووية فقط؟ أم أن هناك توجهاً لتغيير النظام الإيراني؟ أم أن الهدف هو إخضاع إيران بالقوة، دون الإنجرار إلى حرب شاملة؟”..

كما ويشدد جوني على أن “مفتاح المرحلة المقبلة لا يكمن فقط في طهران وواشنطن، بل في المواقف الحقيقية لروسيا والصين. فإذا ما قبلت موسكو وبكين بهذه الضربة، أو غضّت الطرف عنها، فإن ذلك قد يُفهم على أنه رضوخ غير مباشر لتفوق أميركي في المنطقة، ما قد يُخلّ بالتوازنات الإقليمية والدولية، ويفتح الباب أمام تعزيز النفوذ الأميركي العالمي على حساب مشروع العالم المتعدّد الأقطاب الذي تسعى إليه كل من روسيا والصين. من هنا، فإن الموقف الصيني والروسي سيكون مؤشرًا جوهرياً على شكل النظام الدولي المقبل: هل نحن أمام تثبيت لنظام أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة؟ أم أننا لا نزال ضمن صراع توازنات يحول دون هيمنة مطلقة لأي قوة دولية؟”

أخيراً، تقف المنطقة اليوم على حافة منعطف خطير، حيث لم تعد الضربات المتبادلة مجرد رسائل ردع، بل تحوّلت إلى مواجهات مباشرة تهدد بإعادة رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط. وبينما تتسابق الدول الكبرى لتثبيت نفوذها، يبقى مصير هذا الصراع مرهوناً بقرارات اللحظة، وحدود الرد الإيراني، وسقف التصعيد الأميركي الإسرائيلي.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: