الاقتصاد في مهبّ الأزمات… والطاقة في الواجهة

ألقت المواجهات التي اندلعت بين إيران وإسرائيل، واستمرّت لأكثر من عشرة أيام، بظلالها الثقيلة على لبنان، الذي يعيش في ظلّ هشاشة اقتصادية وبنيوية مزمنة، وتراجع حاد في قدرة الدولة على التدخّل أو التهدئة. وبينما جرى الإعلان عن وقف لإطلاق النار، ساد ارتياح نسبي في الداخل اللبناني، لا سيّما في الأوساط الاقتصادية، وسط ترقّب لما تحمله الأيام المقبلة من تطوّرات.

تضخم مستورد واقتصاد مكشوف

يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” أن لبنان يعاني من موقع بالغ الهشاشة، إذ إنّ أي توتّر إقليمي سرعان ما ينعكس داخلياً، نتيجة غياب خطط الحماية وضعف القدرة على امتصاص الصدمات. ويضيف:

“لبنان يستورد أكثر من 85% من حاجاته الأساسية، بما فيها الغذاء والدواء والطاقة، وبالتالي فإن أي تغيّر في السوق العالمية يصيبه بشكل مباشر”.

ويحذّر أبو سليمان من “حرب تضخم صامتة” تشتدّ بفعل ارتفاع أسعار النفط، وتقلّبات تكاليف الشحن، وارتفاع كلفة التأمين على البضائع المستوردة. ويقول:

“في ظلّ غياب الدعم الرسمي، المواطن وحده يتحمّل نتائج كل هذه الزيادات، من دون أي إجراءات حماية”.

ويشير إلى أن أي ارتفاع في أسعار النفط أو النقل سينعكس مباشرة على أسعار السلع، ويهدّد بانفجار أزمة معيشية، خصوصاً مع اقتراب فصل الصيف وزيادة الطلب على الكهرباء والتبريد.

وفي ما يتعلق بتحويلات المغتربين، لفت أبو سليمان إلى أنها قد تتأثر سلباً إذا دخل الاقتصاد العالمي في ركود أو تراجعت فرص العمل في الخليج، مما يعني فقدان لبنان لأحد آخر مصادر الدعم الحيوية، وفتح الباب أمام انكماش اقتصادي قد يصل إلى حدّ الانهيار الاجتماعي.

الأمن الغذائي: لا خطر مباشر والمخزون مطمئن

في المقابل، يبدو الوضع الغذائي أكثر استقراراً. إذ يطمئن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، إلى أن السوق اللبنانية مؤمّنة في الوقت الحالي، والمخزون المتوفر يكفي لأكثر من شهرين.

وأوضح بحصلي أن معظم المواد الغذائية تصل إلى لبنان من أوروبا وآسيا عبر طرق بحرية آمنة نسبياً، ولا تمر عبر مضيق هرمز، وبالتالي فإن الحديث عن تأثيرات إقليمية على الإمدادات الغذائية لا ينطبق حالياً على لبنان.

وقال: “مررنا بأزمات أصعب، ولم تُسجَّل أي انقطاعات في السلع الأساسية، كما حصل خلال حرب تموز 2006 أو التصعيدات الأخيرة مع إسرائيل”.

المحروقات: الأسعار ترتفع ولا أزمة إمداد

بدوره، طمأن ممثّل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا إلى أن قطاع الطاقة لا يواجه أزمة إمدادات حالياً، إذ تواصل البواخر تفريغ حمولاتها بانتظام، والمخزون يغطي حاجة السوق لمدة تتراوح بين ثلاثة أسابيع وشهر.

لكنه أشار إلى أن الأسعار بدأت ترتفع تدريجياً، نتيجة ارتباط السوق المحلي بسعر النفط العالمي، وتقلبات سعر صرف الدولار. وأضاف:

“التسعير الأسبوعي يعكس بشكل مباشر أي تغيّر في الأسواق العالمية، ما يزيد الضغط على المواطنين، الذين لم تعد لديهم قدرة على تحمّل المزيد من الأعباء”.

واعتبر أن الأزمة الحقيقية لا تكمن في نقص المحروقات، بل في تآكل القدرة الشرائية للمواطن، حيث باتت كلفة النقل والطاقة تشكّل عبئاً كبيراً على الأسر والمؤسسات على حدّ سواء.

المصدر: الشرق الاوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: