
برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، عُقد قبل ظهر اليوم في السراي الحكومي مؤتمر “البيئة البحرية في لبنان”، بتنظيم من وزارة البيئة، بالشراكة مع المجلس الوطني للبحوث العلمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان (UNDP). تخلّل المؤتمر عرض لنتائج الحالة البيئية للشاطئ اللبناني لعام 2025، قدّمه مركز علوم البحار.
شارك في المؤتمر، إلى جانب الرئيس سلام، وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين، وعدد من الوزراء والنواب، والممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بليرتا أليكو، والأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور شادي عبد الله، إضافة إلى فعاليات وناشطين بيئيين.
المجلس الوطني للبحوث العلمية: شراكة من أجل بيئة بحرية مستدامة
افتُتح المؤتمر بالنشيد الوطني، تلاه كلمة للدكتور شادي عبد الله، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية، شدّد فيها على أهمية هذا الحدث بوصفه محطة سنوية ثابتة في مسار حماية البيئة البحرية، معتبراً أن انعقاده في السراي الحكومي يعكس بُعداً استراتيجياً جديداً، ويؤكد أن البيئة أصبحت أولوية وطنية متداخلة مع ملفات الصحة والاقتصاد والتنمية.
وأشار عبد الله إلى أن المجلس، منذ تسعينيات القرن الماضي، أولى البحر اللبناني أهمية خاصة، فأطلق المركز الوطني لعلوم البحار، وبرنامجاً وطنياً لرصد الساحل، تطوّر لاحقاً مع انطلاق السفينة البحثية “قانا” التي مكنت من دراسة العمود المائي بعمق. ولفت إلى أن أكثر من 38 عينة تُجمَع شهرياً من مختلف مناطق الساحل اللبناني لتغذية قاعدة بيانات بيئية متكاملة تُستخدم لتقييم التلوّث والتغير المناخي والتنوع البيولوجي.
ورغم التحديات الكبرى، لا سيما الانهيار الاقتصادي وانفجار مرفأ بيروت، أكد عبد الله أن العمل لم يتوقف، إيماناً بأن حماية البيئة البحرية “واجب وطني وأخلاقي”.
وأعلن عبد الله عن استراتيجية شاملة يعمل المجلس على تنفيذها، تركّز على محاور عدة، منها التغير المناخي، والاستدامة البيئية، والتعليم العالي، والبحث العلمي المرتبط بصنع القرار، والزراعة المستدامة، وبناء مجتمعات مرنة. كما شدد على ضرورة تمويل البحث العلمي وتوفير فرص عمل للكفاءات اللبنانية عبر برامج تشغيل مؤقتة في الإدارات العامة والبلديات.
UNDP: البحر الأبيض المتوسط إرث مشترك يستحق الحماية
من جانبها، ألقت بليرتا أليكو، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، كلمة أشارت فيها إلى أن البحر الأبيض المتوسط يمثل ركيزة أساسية لاقتصاد لبنان وثقافته، إلا أنه يتعرض لضغوط متزايدة نتيجة تغيّر المناخ وتلوّث المياه وارتفاع منسوب البحار، ما يهدد المجتمعات الساحلية.
وأكدت أن الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة (الحياة تحت الماء) لا يزال الأقل تمويلاً، رغم دوره المحوري. وفي هذا الإطار، يستمر برنامج UNDP في دعم لبنان من خلال مشاريع الحفاظ على التنوع البيولوجي، تعزيز الحوكمة البحرية، وتطوير استراتيجيات بيئية ومناخية مثل استراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات حتى عام 2050.
كما استعرضت أليكو عدة تدخلات مهمة مثل تطوير استراتيجية النفايات الصلبة، إعادة تأهيل منشأة الكرنتينا، ودعم إنشاء هيئة وطنية لإدارة النفايات، مؤكدة أن التقدم الحقيقي يتطلب حوكمة فعالة وشراكات مستدامة.
وزيرة البيئة: من التحدي إلى الفرصة – خارطة طريق للإصلاح البيئي
في كلمتها، أكدت وزيرة البيئة تمارا الزين أن المؤتمر مناسبة لتسليط الضوء على واقع البحر اللبناني، ليس فقط من زاوية التهديدات، بل أيضاً من باب الغنى البيولوجي والجمال الطبيعي.
واستعرضت الزين ما تم إنجازه في وزارة البيئة خلال أول 100 يوم من عمر الحكومة، ضمن خطة واضحة المعالم والجدول الزمني. وركزت على أهمية الإصلاحات البنيوية والهيكلية، بما يشمل تحديث الإدارة وتفعيل التحول الرقمي وإطلاق سياسة الشراء العام الأخضر وخارطة طريق الاقتصاد الأزرق والدائري.
كما شرحت الخطوات التي يتم العمل عليها لتحسين إدارة النفايات، تنظيم قطاع المقالع والكسارات، مراقبة تلوث الهواء والمياه، وتقييم الأثر البيئي للعدوان الإسرائيلي الأخير، مؤكدة أن “أي تغيير جذري يتطلب إعادة تفعيل مؤسسات الدولة والقطاع العام”.
وختمت الزين كلمتها بإعلان توقيع لبنان على اتفاقية التنوع البيولوجي خارج حدود الولاية الوطنية خلال مؤتمر UNOC3 في فرنسا.
رئيس الحكومة: حماية البحر قضية وطنية وجزء من الهوية اللبنانية
في ختام الجلسات الرسمية، ألقى رئيس الحكومة نواف سلام كلمة شدد فيها على أن البحر ليس فقط عنصراً جغرافياً، بل مكوّناً أساسياً من الهوية اللبنانية وتاريخها الاقتصادي والثقافي.
وأكد سلام التزام لبنان العميق بحماية بيئته البحرية وتنوعها البيولوجي، مشيراً إلى أن هذا الالتزام تُرجم من خلال مشاركة لبنان في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات وتوقيع اتفاقية التنوع البيولوجي خارج نطاق الولاية الوطنية.
وأوضح أن حماية البحر ليست مسؤولية وزارة واحدة، بل “قضية وطنية تتطلب تكامل القرار السياسي مع البحث العلمي والمبادرة المحلية”، داعياً إلى تحويل أقوال المؤتمر إلى أفعال وخطوات عملية تبدأ من الغد.
جلسات ومداخلات: من المعرفة إلى المبادرة
عقب الكلمات الرسمية، عُرض فيديو تحفيزي بعنوان “بياخدك عالبحر وبيردّك عشقان”، ثم توالت جلسات الحوار والنقاشات، فكانت البداية مع جلسة “في حضرة الأزرق” التي تناولت التنوع البيولوجي والمحميات البحرية، تلتها جلسة “لو فيك تحكي يا بحر” التي ناقشت أثر تغير المناخ على البحر، وتضمنت إعلان نتائج الحالة البيئية للشاطئ اللبناني لعام 2025.
كما تم عرض مبادرات محلية ناجحة ضمن جلسة “حرّاس البحر”، واختُتم المؤتمر بنقاش عام مفتوح.
