
تسلّم لبنان رسميًا الإشارة الدولية لبدء تنفيذ مشروع إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة، وذلك بعد موافقة مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على قرض طارئ بقيمة 250 مليون دولار، يهدف إلى ترميم البنى التحتية المتضررة، واستعادة الخدمات الأساسية، إلى جانب تحسين إدارة الركام والأنقاض بطريقة مستدامة.
ويمثل هذا القرض – المدعوم أيضًا بتعهد فرنسي بتقديم 75 مليون يورو – نقطة الانطلاق لتشكيل صندوق تمويلي يطمح إلى جمع مليار دولار ضمن برنامج المساعدة الطارئة للبنان، بهدف تغطية الأضرار التي طالت البنى التحتية الحيوية والتي قُدرت بحوالي 1.1 مليار دولار وفق تقييمات البنك الدولي.
وبينما تعهّد البنك الدولي بمواصلة حشد الدعم الدولي وزيادة تمويله المباشر إلى 400 مليون دولار، تُعوّل الحكومة اللبنانية على هذه المبادرة لتكون أساسًا لتحريك ملف إعادة الإعمار، بالتوازي مع المسار السياسي الذي يقوده رئيس الجمهورية جوزاف عون، لا سيما في ما يتعلق بقضية حصرية السلاح بيد الدولة، والتقيّد بقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، كشرط أساسي لجذب التمويل الدولي.
رئيس الحكومة نواف سلام رحّب بالموافقة الدولية، مؤكدًا عبر منصة “إكس” أن هذا التمويل يمثّل “خطوة أساسية نحو إعادة الإعمار ويعزز جهود التعافي ضمن إطار تقوده الدولة”، معتبراً أنه يشكّل قاعدة لاستقطاب تمويلات إضافية في مرحلة تتّسم بالحاجة الملحّة.
بدوره، يشير مسؤول مالي لبناني إلى أن الاستفادة من هذا الزخم الدولي تتطلّب من الدولة الإسراع بتنفيذ الإصلاحات السياسية والإدارية الضرورية، إضافة إلى التقدّم الفعلي في مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما سيعزز الثقة ويضاعف فرص الحصول على دعم خارجي مستدام.
من جهة أخرى، انتقد حزب الله، على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، تأخّر الدولة في إطلاق خطة إعادة الإعمار، معتبرًا أن الإعمار حقّ وواجب، وأن “حزب الله أراح الدولة من أعباء الإيواء والترميم، لكن لا إعمار يعني لا مساواة في المواطنة”، بحسب تعبيره.
وتُدرك القوى السياسية أن لبنان، العالق في أزماته الاقتصادية والمالية، غير قادر على تمويل عمليات الإعمار من موازنته المتآكلة. فبحسب البنك الدولي، بلغ حجم الأضرار في 10 قطاعات حيوية نحو 7.2 مليار دولار، بينما قُدّرت كلفة التعافي وإعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار، تُضاف إلى فجوة مالية متراكمة تتجاوز 73 مليار دولار.
مدير منطقة الشرق الأوسط في البنك الدولي، جان كريستوف كاريه، أوضح أن المشروع تم تصميمه ليكون مرنًا وقابلًا للتوسّع، ليصل حجمه إلى مليار دولار، وذلك ضمن إطار موحّد يديره لبنان يركّز على الشفافية والمساءلة وتحقيق النتائج.
وتشمل الأضرار التي يستهدفها المشروع قطاعات أساسية مثل النقل، والمياه، والكهرباء، والخدمات البلدية، والتعليم، والرعاية الصحية. وستُنفذ خطة التعافي تدريجيًا بحسب الأولويات، بهدف تحقيق أثر اقتصادي واجتماعي سريع في المناطق المتضررة.
ولتأمين الجاهزية الإدارية وسرعة التنفيذ، أجرت الحكومة إصلاحات في “مجلس الإنماء والإعمار” المسؤول عن تنفيذ المشروع، شملت تشكيل مجلس إدارة جديد، وتبسيط الإجراءات بما يتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة في إدارة المشاريع الطارئة.
وتأتي هذه الإصلاحات في سياق رؤية أشمل لإعادة بناء المؤسسات، بحيث يكون المجلس قادرًا على إدارة عمليات إعادة الإعمار الواسعة بكفاءة وشفافية.
وبحسب الخطة، سيتولى مكتب رئيس الحكومة الإشراف العام على المشروع، بالتنسيق مع الوزارات المعنية، في حين تتولّى وزارة الأشغال قيادة التنفيذ، وتشرف وزارة البيئة على الجوانب البيئية، وخصوصًا ما يتعلق بإدارة الركام والأنقاض.
المصدر .: علي زين الدين- الشرق الأوسط