كتب صائب بارودي
من المؤكد أن المواطن اللبناني والعربي لم يعد في هذه السذاجة الفكرية والسياسية التي يظنها أصحاب الصفقات والمخططات المريية والمشبوهة،وأنه في غفلة عن الأحداث والنكبات التي يشهدها لبنان والمنطقة. بل صار متابعًا باهتمام شديد لوقائعها ومدركًا بوعي ونضوج لحقائقها وأهدافها وأدواتها الخبيثة على الوطن والأمة.
لذا،فهو يرى بنظره الثاقب ويقرأ بعمق أن ما يحدث وما يجري على الساحة السياسية المحلية والعربية والإقليمية منذ ما قبل عملية ما أطلق عليها “طوفان الأقصى”، وما أعقبها من حرب تدميرية ووحشية وهمجية على غزة، وإبادة جماعية وعمليات تهجيرية قسرية لسكانها،كان مقدمة مفتعلة لرسم ملامح المرحلة المقبلة عبر التحركات والإتصالات والمباحثات الجارية مؤخرًا.
فحرب غزة كما تشير المعطيات والتوقعات تستعد لوضع أوزارها وحطّ رحالها في المربع النهائي، وقد دخلت مرحلتها الأخيرة والحاسمة مع الإتصالات المكثفة والمحمومة واللقاءات المتسارعة الجارية على جميع الصعد والإتجاهات التي تعقد في الدوحة والقاهرة وبيروت.
واللافت أن كل الأطراف المشاركة في تلك الإتصالات واللقاءات تلتقي تحت شعار واحد “وقف إطلاق النار”، ولكن تختلف حول تفاصيله ومندرجاته فكل يراه وفق تصوره وشروطه.
ففي الدوحة التي زارها وزير الخارجية الإيراني والتقى نظيره القطري زاعمًا أنه حيادي داعيًا إلى إيجاد حل سياسي لحرب غزة مساومًا على مفاوضاته النووية مع الإدارة الأميركية مستغلاً أوراقه الضاغطة عبر أذرعته في العراق واليمن ولبنان ومشاركتهم العسكرية في الحرب التي لا يمكن أن تتم لولا موافقته وتوجيهاته وأهدافه السياسية.
وفي القاهرة حيث قامت قيادات حماس وفي طليعتهم إسماعيل هنية بزيارة القاهرة والإجتماع مع الرئيس عبد الفتاح السيسي وتباحثا في شأن الحلول المطروحة لإيقاف الحرب في غزة وقد أبدى هنية موافقته على إيقاف وقف إطلاق النار نهائيًا في إطار حلّ سياسيّ شامل يضمن طبعًا استمرار نفوذه وموقع حماس السلطوي في غزة ما بعد الحرب، ويُحصّن استمرار دورها السياسي الطليعي في إطار السلطة الفلسطينية المزمع إقامتها خلال المرحلة المقبلة.
في المقابل فإن إدارة الكيان الصهيوني توافق على وقف إطلاق النار في إطار هدنة مؤقتة لمدة أسبوع يتم خلاله الإفراج عن جميع الأسرى بين الطرفين ليطرح فيما بعد حلّ سياسيّ شامل يقرر الوضع النهائي لقطاع غزة وسلطتها الحاكمة.
أما لجهة الوضع اللبناني فهو يحظى بإهتمام واسع وقلق شديد بين القوى المحلية والعربية والدولية فكل الإتصالات واللقاءات والزيارات التي قام بعا الموفدون تحث على ضرورة تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ والقاضي بإنسحاب “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني في الجنوب وتسليم أسلحته للجيش اللبناني وهو ما يرفضه الحزب رغم كل المباحثات التي جرت منذ زيارة هوكستاين والموفد الفرنسي لودريان ومسؤلوا الإستخبارات الأميركية والفرنسية وغيرهما، وأخيرًا وزيرة الخارجية الفرنسية التي زارت بيروت مرتين خلال شهرين للتباحث في هذا الشأن والتي ظن أغلب المراقبين والمتابعين أنها تتمحور حول ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية ،إلا أن المؤشرات تؤكد أن هذا الملف مؤجل إلى ما بعد شباط وربما إلى ربيع أو صيف العام المقبل؟؟..
وفي سباق مع الزمن تتكثف الإتصالات والمباحثات بين الجهات المعنية بالشأن اللبناني في مساعٍ حيثية لتفيذ قرار ١٧٠١ حفاظًا على استقرار لبنان وتجنيبه حرب مدمرة قد تكون أسوأ ما شهدته المنطقة من حروب والتي يرى كثير من المراقبين أنها قائمة لا محالة، وذهب البعض إلى اعتبار التمديد لقائد الجيش أهم مؤشراتها لمعرفته وإلمامه الشديد بوضع الجيش اللبناني ودوره في هذه المرحلة الحرجة.
ويرجح البعض أن شباط هو الفاصل بين الحرب واللاحرب وما يُخفى أخطر وأدهى!!؟..