جورج علم – الجريدة
ينتظر الرئيس نبيه برّي ضمانات من “اللجنة الخماسيّة”، للمبادرة إلى تحريك ملف الاستحقاق الرئاسي.
كانت محادثاته مع وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة كاترين كولونا من دون قفّازات. والنتيجة، أن اللجنة تخاطب الداخل بضرورة انتخاب رئيس، فيما الداخل يخاطب اللجنة برفع “الفيتوات” لملء الفراغ. وبرز سؤال محوري: ما دور اللجنة؟ لماذا شكّلت؟ وماذا قدّمت من تسهيلات لإعادة بناء المؤسسات؟
لقد أنتجت ديناميّة لا يمكن التقليل من مفاعيلها. وليس بالأمر العادي أن تلتقي الولايات المتحدة مع فرنسا ومصر والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر، حول لبنان، وأن تمسك الدول الخمس بملف الاستحقاق الرئاسي، وتبادر إلى عقد سلسلة من الاجتماعات، وتوسيع مروحة الاتصالات والمشاورات، ودعم الموفدين، من الفرنسي إلى القطري، إلى حراك السفراء المعتمدين في بيروت، إلى البيانات الصادرة عن المنظمات العربيّة والدوليّة، وعن مؤتمرات… وكلّها محفّزات، ومؤشرات اهتمام، ولكنها لم تستطع أن “تدفش” سيارة الرئاسة المعطلة على طريق الفراغ “دفشة”، ولو بمقدار قفزة أرنب!
لماذا؟ وما هي الأسباب؟
يقول سفير دولة ناشطة ضمن اللجنة، إن الدول الخمس سارعت إلى منع لبنان من الغرق، لكنّها لم تسعفه بحبل النجاة لانتشاله. لا هي تريده أن يغرق، ولا أن يتعافى في زمن الصراع ما بين القطب الواحد، والدول الساعية إلى عالم متعدد الأقطاب.
وهناك جملة من الأسباب:
أولاً: إن لهذه الدول مصالح في لبنان تريد حمايتها، وفق “فن الممكن”.
ثانياً: إن هذه المصالح متنافسة في ما بينها، وهذا ما حال دون التوافق على خارطة طريق إنقاذيّة مشتركة، تلتقي حولها الدول الخمس لوضعها موضع التنفيذ.
ثالثاً: إن إيران لم تكن حول الطاولة. لم تكن ضمن المجموعة، بل وجدت نفسها بأنها هي المستهدف، وأن الجامع المشترك ما بين الدول الخمس هو تحويل لبنان إلى خط تماس، وتحويل الساحة اللبنانيّة إلى ساحة مواجهة.
بالطبع، كان هناك شيء من تلاقي المصالح حول ضرورة استمرار المؤسسات الأمنيّة في مهامها، وهذا ما سهّل مهمّة مجلس النواب في التمديد للقادة الأمنييّن، ومنع العبث بهذا العمود الفقري الحسّاس. لكن ملء الفراغ في القصر الجمهوري مسألة معقّدة تخضع لموازين القوى السياسيّة، ولصراع المحاور، أو ما يسمّى بصراع الخيارات والتوجهات المحليّة ـ الإقليميّة ـ الدوليّة.
حاول الفرنسي، بداية، أن يلعب دور الوسيط ما بين واشنطن وطهران. كان قصر الإليزية يتعمّد إصدار البيانات الرسميّة التي تتحدّث عن إتصالات يجريها الرئيس إيمانويل ماكرون مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حول لبنان، وأن مهمّة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان، كانت “مرسملة”، ومستندة إلى تنسيقه المستمر والمتواصل مع مجموعة الخمس، لكن الوقائع أثبتت بأن الأميركي كان دائما في منطقة الإلتباس. وإذا سهّلت إيران المهمّة، ومكّنت الفرنسي من أن يضطلع بدور، كانت واشنطن تبادر إلى رفع سقف الشروط، ووضع العصي في الدواليب، لأنها لا تريد لباريس أي دور فاعل على الساحة اللبنانيّة.
وفي كلّ مرّة كان “يكبو” فيها “الجواد” الفرنسي، كان يطلّ “الفارس” القطري، رصيده أنه الوحيد القادر على كسب ودّ واشنطن، والحصول من طهران على ضوء أخضر، نظراً لما يملك من إمكانات ماديّة، ودبلوماسيّة، وخدماتيّة، ووفقاً لقاعدة “كما تراني يا جميل.. أراك”! لكن، لغاية الساعة، لم تتمكن الدوحة من إحداث ثغرة في حائط الفراغ المصفّح، وذلك لإعتبارين:
الأول: من مصلحة إيران أن تكون هي إلى الطاولة، وليس الوسيط، أو الصديق، أو الوكيل. تريد هي أن تحاور، وأن تضبط ساعة المنطقة وفق التوقيت الذي يخدم مصالحها.
الثاني: إيران تريد رفع العقوبات الأميركيّة، كل العقوبات، ووفق مسار واضح، وخريطة طريق محددة المحطات، ومحصّنة ضد أي تغيير، ومصفّحة بحيث لا تخترقها المفاجآت مهما كانت قاسية، أو مكلفة.. ولبلوغ ذلك، تريد هي أن تحاور مباشرة، وليس عبر الوكلاء، أيّاً كان ثقلهم السياسي، وحجمهم المادي والمعنوي.
واستناداً إلى ما تقدم، ينتظر الرئيس برّي الموفد الرئاسي الفرنسي حاملاً معه الضمانات المطلوبة، أو ما انتهت إليه الدبلوماسيّة الفرنسيّة من جولات، وجوجلات، حول الاستحقاقات في لبنان.
وإذا لم تحصل مفاجأة على الصعيد المحلّي، أو الإقليمي، فإن الغلال المتوافرة الآن على البيدر اللبناني، لا تكفي لإدارة مطحنة الرئاسة، والقضاء على قحط الفراغ، لاعتبارات أبرزها:
1 ـ لا “خماسيّة” منتجة، إلا باعتماد مقعد لإيران، وجلوسها إلى الطاولة وجهاً لوجه مع واشنطن، وباريس، والقاهرة، والرياض، والدوحة. عندها إما انفراج، أو إنفجار…
2 ـ إن اللجنة، كخماسيّة، شحب بريقها، لقد شرّع “المندَب” بابه أمام الرياح العاتيّة التي فرّقت شمل اللجنة. مصر، والمملكة العربيّة السعوديّة لا مصلحة لهما بالانضمام إلى “التحالف الدولي” الذي سارعت واشنطن إلى تشكيله بحجة حماية السفن التجاريّة في البحر الأحمر. الدول العربيّة، وتحديدا الخليجيّة، تعاني من حساسيّة مفرطة إسمها “التحالف الدولي” الذي يسعى إلى التحكّم والاستئثار بمنابع النفط. بأسعار النفط. وبالأسواق الاستهلاكيّة للنفط، والتحكّم بسياسة منظمة “أوبيك+”، خلافاً للرغبة السعوديّة ـ الخليجيّة.
3 – إن “الخماسيّة” التي استكثرت على إيران أن يكون لها مقعد إلى جانبها لانتشال لبنان من الغرق، تبدو محرجة اليوم، وهي تفتش الآن عن مقعد لإيران حول طاولة المفاوضات، للبحث بمستقبل غزّة، ومستقبل القضيّة القلسطينيّة، ومستقبل سياسة القطب الواحد في مواجهة تعدد الأقطاب، ومستقبل الشرق الأوسط، وتحديد ملامح وجهه الجديد…