بقلم محمد حندوش
أن تحب الوفاء شيء.. وأن تمارسه شيءٌ آخر،
أن تقتنع بالتضحية شيء.. وأن تكون من الذين يقدمون التضحية شيء آخر..
أن تتغنى بالعطاء شيء،، وأن تكون معطاءً شيءٌ آخر.
“الوفاء” مصطلح تتغنى به البشرية منذ فجر التاريخ، ويردده جميع سكان الأرض بكل اللغات، لكن الذين حولوه من شعار إلى تطبيق قلة قليلة، والذين كتبوا فيه شعراً وألفوا فيه كتباً كثيرون، لكن الذين قدموه نماذج عملية فئة نادرة، يستحقون لقب “ذهبٌ من هذا الزمان”.
ألغيت مباراة في كرة القدم بالمملكة المتحدة
في 25 ديسمبر 1937 بعد وقت قصير من انطلاقها، بسبب انتشار ضباب كثيف ، غادر الجميع أرضية الملعب باستثناء حارس المرمى ” سام بارترام ” الذي لم يسمع صفارة حكم المباراة بسبب صخب الجماهير خلف
مرماه ، وظل يحرسهُ متحفزاً لأي تسديدة مباغِته لمدة 15 دقيقة ، قبل أن يأتيه أحد المنظمين لإخباره بقرار الإلغاء
وعندها قال الحارس
” يحزنني أن ينساني رفاقي وأنا أحرسهم وقد ظننتُ أننا كنا نُهاجم طول الوقت!
“
كم بقينا نحرس ظهوراً غادرت منذ اللحظة الأولى لحصول أي أزمة.
وكم دافعنا عن أشخاص هاجمونا عند أول اختلاف، دون أن يشفع لنا تاريخنا المشترك الطويل،
وكم ضيّعنا حياتنا من أجل أشخاص لايقدرون تضحياتنا، فافتقدناهم في اللحظات الحرجة.
وخيبات الأمل التي تصيب البشر من قلة الوفاء أكثر إيلاماً من نكبات الدهر ومصائبه وويلاته،
الوفاء عملة نادرة لا تُقاسُ بحجم الخدمة التي تحصل عليها، أو المعروف الذي يُقدم لك، أو المصلحة التي تحققت عندك، لكن أهميته تكمن في اكتشافك لمعادن الأشخاص الذين قدموه، لا سيما إذا غُلّف الوفاء بأسلوب راقٍ، ذلك أن مردوده النفسي أنقى وأرقى من مردوده المادي،
مجرد رسالة اطمئنان شخص معين أغلى من كنوز الدنيا في توقيتها، ومجرد كلمة صادقة في لحظة وجع أنجع من ألف عملية جراحية، ومجرد موقف صغير يبقى في ذاكرتك إلى الأبد..
مداميك الصداقة لا ترتفع دون وفاء، فلا قيمة لصداقة إذا لم يكن الوفاء عنواناً لها،
وأسس العلاقة لا ترتقي دون عطاء، فمن لم يعرفك في أوقات الشدة أنت في غنى عنه.
ينجح البشر ويرسبون في أيام المحن، فمن أضاعك على دروب الأزمات لا تبحث عنه في أيام الرخاء، ومن تخلى عنك في لحظات الألم لا يستحق أن تقاسمه أوقات السعادة.