بقلم رفال صبري
لعلّ اللّبناني قد اعتاد المشهد أو يحاول التأقلم مع واقعه الذي كُتب عليه أن يكون مشكولًا بالأزمات.. فما هي تبعات جملة الأحداث هذه على صحة المواطن النفسية؟
تشير الدّكتورة في العلاج النفسي سلوى الحاج إلى “أنّ التهديد المستمر الذي يتعرض له لبنان من جميع النواحي ليس أمرًا جديدًا عليه، وقد اعتاد الشعب على وجود الأزمات في حياته ربّما بسبب موقع لبنان الجغرافي و تاريخه.”
تضيف الحاج، “كل العمليات “الباتولوجية” أي المرضية تعزّزها العمليات المجتمعية وطبيعة المحيط والعلاقات ولها وقعها الخاص على كل فرد.
وقد رأينا في العيادات حالات متأثرة بالخوف بشكل مرضي في الآونة الأخيرة، لكن نسبها ضئيلة جدًا مقارنةً بمعدّل الأزمات التي نعيشها”.
لا شكّ أنّ ما مرّ به لبنان في السنوات الأخيرة جعل من شعبه منظومة متينة يتمتع بصلابة نفسية تجعله أقل تأثّرًا من الشعوب الأخرى خصوصًا وأنّه في نهاية المطاف يخرج دائمًا لبنان سالمًا من أزماته وينهض من جديد رغم العتمة التي يمرّ بها.
تعتبر الحاج “أنّه لا يوجد إنسان مثل الآخر وكلّ شخص يتمتع بسيكولوجية معينة وفقًا لظروف حياته، نشأته، ووضعه الاجتماعي، وطبيعته البيولوجية وموروثاته”.
فهل هذه القدرة على تحمّل الأحداث الصعبة وتخطيها هي قدرة اكتسبها المواطن اللّبناني أم هي من طبيعته البيولوجية؟
في هذا الإطار، ترى الحاج أنّ “فطرة الإنسان تأتي في المقدمة وهي التي تحرّكه إلى جانب بعض الموروثات من الأهل وأخرى من الظروف والبيئة.. لذلك تختلف قدرة التحمّل من شخصٍ لآخر، فعلى سبيل المثال في المنزل الواحد في جنوب لبنان قد نجد شخصًا يعاني من اضطراب نفسي معيّن بسبب الحرب على غزة وعلى الحدود الجنوبية وتهديداتها وآخر سليم ولم يتأثر بالأحداث وهذا يعود لبنية الفرد الشخصية وإدراكه وقناعاته…
مؤخّرًا يعاني المواطن اللّبناني من الإحباط واللامبالاة إذْ توقف نسبيًّا عن الاحتجاجات والحراكات التي كان مندفعًا لها في السابق، معتبرًا أنها لم تعد تؤدي إلى نتيجة وأن النزول الى الشارع لم يعد له أي مفعول كما في السابق. وهذا انطلاقًا ممّا تراه “الحاج”.
أمّا عن الجرائم والسرقات المستمرّة، والتفلّت الأمني فتعتبر “الحاج” أنّ سببه في المقام الأوّل تشوّه الصورة المدركة عن الدولة الممثلة للنظام والقانون والسلطة العليا، وبالتالي فقدان الثقة فيها. إذْ وفق ما نرى أنّ المواطن يعتبر السلطة بحد ذاتها قد سرقت شعبها في وقتٍ ما، وحقّ المواطن بات مهدورًا، لذلك هو من سيأخذ حقه بنفسه، إلا أنّ هذا ليس مبررًا إنّما تفسيرًا للواقع وهو موجود في كلّ مكان وفي كلّ الدول وهذا ما أطلق عليه “فرويد”: قلق الحضارة … ولا شكّ أنّ فقدان القيم والتمثّل بالدّول الأخرى هي من احدى الدوافع وراء كل ذلك.
ولا ننسى أنّ وجود الرادع التربوي والديني والأخلاقي هو الأساس في هذه الحالات.. لكن هنا تلعب سيكولوجية الإنسان المتمثلة بالحرمان والجوع دورها في العمل الإجرامي أحيانًا.
وتختم الحاج “الوضع النفسي يمهّد لنا الطريق كي نلحظ المحظورات، إذْ يعاني اللبناني من ازدواجية الروابط داخل النظام التي لها تأثير عليه والتي جعلته يفقد الثقة بالسلطة ويتماهى بها ويتصرّف وفق ما يراه منها… كما أنّ كل التهديدات التي يتلقاها يأخذها باستهزاء وبهدوء على عكس ما نراه في العيادات التي لا تعكس إطلاقًا هذا الهدوء والجمود في ردات الفعل تجاه ما بدر من السلطة وتجاه الأحداث العامة.”