وتسأل الشعب اللبناني عن الذي ينقصه.. فيقول: انهيار منازلنا

بقلم ديانا خدّاج

انهيار المباني في لبنان، ليس فقط ظاهرة، بل هو حقيقة مؤلمة ستتفاقم كل يوم مع غياب المفهوم العلمي و الثقافي للبناء السليم. فما دام كل لبناني يفهم في كل شيء والتخصصية “مُحتقرة”، فكل يوم سنسمع بمفاجأة جديدة وألم جديد وكارثة وانهيار وحطام وركام وموت!!…
هكذا أجاب المهندس راشد جان سركيس ل”ديمقراطيا نيوز” عن سبب الظاهرة التي نشهدها في الآونة الأخيرة والتي تشكل خطرًا كبيراً على الشعب اللبناني، وكأن “هذا ما كان ينقص”.

وعلى من تقع المسؤولية يجيب سركيس “كما ذكرنا ونذكّر دائماً بالمادة “18” من قانون البناء 646/2004 التي تنصّ على تحديد المسؤوليات وكيفية تعامل البلدية فيها في حال تخلّف المالك عن القيام بما يتوجب عليه، فمتانة البناء والسلامة العامة فيه هي مسؤولية حصرية يتحملها مالك العقار، أياً كان تاريخ التملّك والملك!!!..
بعد انتهاء المسؤولية العشرية للمهندس عن عمله، يبقى المالك اولاً وأخيراً هو المسؤول عن ملكه. والمسؤولية هذه تنتقل مع البيع…”

وعما إذا كان للغش في تنفيذ أعمال البناء علاقة بهذه الكارثة فيؤكد “انه لا يمكن ان يحصل غشّ دون موافقة المالك، وهو، لأجل ذلك، حمّله القانون المسؤولية. أما الإجحاف الحاصل لهذه الجهة في النصوص التشريعية فهي تطال المشتري الذي لا يعلم أي شيء عن البناء الذي يشتري فيه شقة او قسم معيّن، وهو يمكن ان يتعرّض للغش من أكثر من زاوية، ولأجل ذلك ننادي دوماً بل ونفتح نافذة على أهمية تحميل المالك الذي يشيّد المبنى كامل المسؤولية مدى الحياة، وهو تحت هذا الضابط المركزي يُلزم بالعمل على أكمل وجه وتوفير اعلى قدر من الجودة في ما يُنشئه. فالحقيقة هنا تكمن في أن تحقيق هذا الامر ليس مستحيلاً. أما إذا كان الهدف فقط الربح المالي القبيح، ولم يتم التشريع بشكل سليم، فسيبقى كل شيء على حاله والغش يتضاعف تباعاً…”..

ويضيف سركيس”في السؤال السابق، لفتتني عبارة ” الغش” وهي يمكن ان تنسحب على كل مكان يمكن ان تجري منه رقابة ما، فالمصطلح الأكثر طلباً هو الامانة والصدق في التعاطي مع الملفات الهندسية، فرخصة البناء ليست “رسم أو خريطة” أو شكل أو واجب أو تواقيع، هو عمل هندسي بكل معنى الكلمة فيه من المسؤوليات ما يفرض على كل افرقائه التعاطي معه بكل جدية وصدق وامانة، وكل من يعمل بهذه الموجبات، سيحقق ارباحاً تفوق الخيال، لان قيمتها مضاعفة، وما حصل منذ العام ٢٠١٩ يؤكد هذا الكلام…
بالطبع كان يجب تنظيم عمل البلديات، في هذا المجال، وتوفير اجهزة فنية داخلها بشكل أم بآخر، ولكن ليس على غرار التجارب السابقة التي فتحت أبواب الغش الحديث، وكذلك التهرب من تطبيق القانون تحت حجج كثيرة وواهية بعنوان السلامة العامة لمخالفة القانون الذي ينص عليها… جعبتنا مليئة بالفضائح اللامتناهية، والكلام يتحوّل إلى إشاعات غير ذات مصداقية.
نعم الهندسة في ورطة، ويجب اعادة احيائها بالمفهوم الذي نص عليه قانون تنظيم المهنة ورفع شأنها وليس تحطيمها كما يحصل اليوم في كثير من الأحيان. فبجولة سريعة يمكن ان نكتشف أن كل اللبنانيين صاروا يعرفون بالهندسة اكثر من المهندسين أنفسهم، ويتفلسفون. وهذا ليس إلا هراء بكل معنى الكلمة”.

اما عن الخطوات المطلوبة لمعالجة هذه الكارثة يشير سركيس الى أنه “يجب البدء بالتشريع، وأول طلب عندي هو وضع نص مختصر ومقتضب يُعلن إصدار اول قانون للسلامة العامة في لبنان، تُلحق به مجموعة من المراسيم التخصصية، فيكون لكل عنوان مرسوم واحد، ولا يُدمج موضوعان في مرسوم واحد، فالزلازل تتطلب مرسوم، وكذلك الحماية من الحريق، والمصاعد أيضاً، ويتبعها الكثير الكثير مثل المتكآت والواجهات والادراج والطرقات والسير والسيارات والمعدات والالعاب وكل ما يمكن ان يتعلق بحياة الإنسان من قريب أو بعيد، مع تلازم كل مرسوم بالمواصفات ذات الصلة ومعها الشروط الفنية التي تغيّر كل مناهج العمل ومراجعه وطرقه…

أما لمواجهة الكارثة المحتّمة اليوم، فيجب تشريع الاستثناء، وإعطاء كل ذي حق حقه في التأهيل، بموجب تسهيلات فائقة، وخلق إطار قانوني عملي مالي تمويلي استثماري ضابط يحفّز المواطنين على إعادة القيمة الحقيقية لمبانيهم من حيث الترتيب والمتانة والنظافة والسلامة العامة.
صار واجباً وطنياً، إعادة تكوين الإحتياط الاستراتيجي في الملكية العقارية كما يجب توفّر أشخاص على قدر كبير من المسؤولية لتحقيق حلم قيام الدولة الشرعية الحقيقية التي تحمي المواطن بكل معنى الكلمة، وإذ ذاك تتحول الأسئلة إلى غير مستوى ومنحى، وتعود القيمة تفرض ذاتها، وينسى الناس السعر والثمن، لأن حياته تصبح أكثر أهمية. وتتحوّل دولة الشعب إلى دولة المؤسسات الصادقة معه وهو معها”.

من جهته، مدير عام التنظيم المدني المهندس علي رمضان فيؤكد ل “ديمقراطيا نيوز” ان التنظيم المدني لا يتعلق عمله بمتانة الابنية الانشائية، بل دوره يختص بدراسة رخص البناء والحرص على انطباقها مع انظمة المناطق لجهة وجهة استعمال الابنية( سكنية- تجارية – صناعية- الخ ) و الاستثمارات السطحية والعامة وعدد الطوابق والارتفاع والتراجعات عن حدود العقارات المجاورة بالاضافة إلى حدود الاملاك العامة.
ويضيف “من الصعب تحديد سبب واحد مباشر للموضوع، اذ أنه يتعيّن التأكد فيما اذا كانت هذه الابنية حاصلة على تراخيص قانونية ومسجلة وفق الاصول في نقابة المهندسين التي تتأكد من وجود مهندس انشائي وسمهندس مسؤول عن هذه الابنية كما تفرض قوانين مزاولة مهنة الهندسة.
هناك عدة عوامل تؤثر على متانة الابنية واتزانها كانزلاقات التربة (غير المدعمة بحيطان دعم) بفعل عوامل الطبيعة، والزلازل وعدم صيانة الابنية القديمة والمتصدعة”.

ويلفت رمضان إلى أن “قوانين مهنة الهندسة التي ترعى تطبيقها نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس تحدد المسؤوليات الملقاة على عاتق المهندس المسؤول والمهندس الانشائي وغيرها من الامور التي تتعلق بمتانة الابنية. كما تحدّد الحقوق والواجبات بين المالك والمهندس موقع الرخصة.
من المفيد ان نشير الى ان المرسوم الصادر تحت رقم ١٤٢٩٣/٢٠٠٥ و المعدل بتاريخ ٢٠١٢/٤/٧ يفرض على الابنية الجديدة المطلوب ترخيصها ابتداء من نفاذ المرسوم المذكور ان تخضع للتدقيق الفني من قبل مكاتب استشارية متخصصة في هذا المجال لجهة متانة الابنية من الناحية الانشائية و مقاومة الزلازل والحريق وغيرها من شروط ضمان السلامة العامة في الابنية”.

وبحسب رمضان يجب عدم السماح بأي شكل من الاشكال لأية ابنية دون الحصول على تراخيص قانونية من التنظيم المدني وبلديتي بيروت و طرابلس بما يرعاه القانون، لأن اجراءات الترخيص الادارية بحد ذاتها، تفرض ان تكون تراخيص الابنية مسجلة في نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس مما يضمن تنفيذها من قبل مهندس انشائي يكون مسؤولا عن متانتها و اتزانها”..

ويتابع “كما ذكرت آنفا، فإن الابنية الجديدة لدى ترخيصها وتسجيلها في نقابة المهندسين تخضع للتدقيق الفني من قبل مكاتب متخصصة في هذا المجال لضمان التدقيق في متانة الابنية من الناحية الانشائية ومقاومة الزلازل والحريق وغيرها من متطلبات السلامة العامة.
باختصار، الحلّ هو في تطبيق القوانين و عدم التساهل بالسماح لقيام ابنية غير قانونية وغير مرخصة لأي سبب من الاسباب.

ويضيف “باعتقادي ان معظم الابنية المتصدعة و غير المتّزنة او الآيلة للانهيار لم تراعِ الاسس الانشائية الصحيحة في التنفيذ لأنها على الارجح لا تكون مرخصة وفق الاصول وبالتالي فإن تنفيذها يكون غير مراعٍ للمعايير الهندسية و الانشائية الصحيحة بما تكفله قوانين مهنة الهندسة التي ترعاها نقابة المهندسين”.

وعن دور البلديات وقوى الامن الداخلي يؤكد ” اداؤه ينحصر بضبط مخالفات البناء فيما اذا كانت غير حاصلة على تراخيص وفق الاصول، اما من الناحية الانشائية فإن مهمة السهر على تنفيذ الابنية في مرحلة البناء هي على عاتق المهندس الانشائي المسؤول عن الترخيص”…

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top