بقلم سالي عايش – دبيّ
مع اقتراب كل عام دراسي جديد في الأردن، يصبح موسم العودة إلى المدارس كابوساً يرهق الأسر مادياً، حيث تتصاعد أسعار الأدوات والقرطاسية والرسوم المدرسية بلا توقف، وترافقها تكاليف إضافية تشمل الكتب، الزي المدرسي، والمستلزمات الأخرى. بعد عطلة صيفية استمرت لشهرين، تعود الحافلات المدرسية لتملأ الصباح بضجيج الحياة، وتعيد الحركة إلى شوارع شهدت هدوءاً مؤقتاً. وفيما يُعلن الطابور الصباحي بداية فصل دراسي جديد محمّل بالأمل، تزداد الضغوط الاقتصادية على كاهل أولياء الأمور بشكل يفوق التوقعات.
ندى حمداش، الأخصائية التربوية الخاصة، أوضحت لـ”ديمقراطيا نيوز” أن التطور العلمي والتكنولوجي لا يقتصر على مجرد استخدام الشاشات أو تلقي الطفل للمعلومات بشكل سلبي، بل يتجلى في كيفية تفاعل الطفل مع هذه التقنيات، تحليلها، وتخزينها في ذهنه. وأشارت إلى أن الله منحنا القدرة على التفكير النقدي والتحليل، وهي قدرات يجب تنميتها لدى الأطفال منذ الصغر.
تعمل ندى مع الأطفال خارج لبنان عبر منصة زوم، ولاحظت أن هذه التكنولوجيا تلعب دورًا حيويًا في تطورهم، مؤكدة أن مواكبة التطورات التكنولوجية أصبح ضرورة ملحة لتفجير طاقات الطلاب.
وأضافت، على سبيل المثال، أن استخدام اللوح الذكي (Interactive Board) يعزز العلاقة العاطفية بين الطالب والمحتوى العلمي، مما يرفع مستوى التحفيز لديه. هذه الأدوات تساعد أيضًا في تلبية الفروقات الفردية بين الطلاب، وتتيح تكييف المحتوى بما يناسب احتياجات كل فرد، مما يعزز من فعالية العملية التعليمية.
وأكدت ندى أن الدول العربية تسعى جاهدة لتحسين مستوى التعليم، مشددة على أنه لا يوجد لوم على الأهل، ولا ينبغي أن يشعروا بالضغط. ومع ذلك، دعت إلى استثمار التعليم كونه السلاح الأقوى في هذا العالم، واعتباره أولوية قصوى، لأنه كنز لا يفنى ويجب الحفاظ عليه بكل السبل.
من جانبها، تطرقت نور العقيلي، المهندسة وصاحبة مركز تدريس ألفا ومعلمة، في حديثها لـ”ديمقراطيا نيوز” إلى أهمية الأساليب التعليمية الحديثة وتأثيرها على طرق التعلم.
وأوضحت أن الأساليب التعليمية الحديثة، وخاصة التعلم القائم على المشاريع واستخدام التكنولوجيا في التعليم، مثل المنصات التعليمية والتطبيقات، قد أصبحت شائعة بشكل واسع. وتؤكد العقيلي أن هذه الأساليب تستحق الاستثمار المالي، لما تقدمه من فوائد ملموسة سواء في النتائج التعليمية أو في رضا الطلاب. ورغم ذلك، نبّهت العقيلي إلى أن التوسع في استخدام التكنولوجيا داخل الفصول الدراسية أدى إلى خلق فجوة بين الطلاب من حيث الوصول إلى الموارد، خصوصاً في المناطق النائية والمحافظات، حيث يفتقر بعض الطلاب إلى الأجهزة اللازمة أو الاتصال الجيد بالإنترنت، مما يعمق التفاوت القائم بالفعل في التعليم.
لضمان تحقيق توازن بين التكنولوجيا والأساليب التقليدية وضمان تعليم شامل وعادل للجميع، اقترحت العقيلي توفير الأجهزة والإنترنت للطلاب المحتاجين من خلال المساعدات، وتدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا بفعالية. وشددت على ضرورة التعامل مع قلق الأهالي بشأن التكاليف المرتبطة بأساليب التعليم الجديدة، عبر تواصل فعّال بين المدارس وأولياء الأمور، وتقديم معلومات شاملة عن التكاليف والفوائد، بالإضافة إلى توفير خيارات مرنة تناسب ميزانيات الأسر المختلفة، مثل خطط دفع ميسرة أو برامج دعم مالي.
في الوقت نفسه، يتوجه نحو مليون وسبعمائة ألف طالب وطالبة الطريق نحو مدارسهم الحكومية، التابعة لوزارة التربية والتعليم ووكالة الغوث ومدارس الثقافة العسكرية، بينما يشدّ نحو نصف مليون آخرون رحالهم إلى المدارس الخاصة، ما يضاعف الأعباء المالية على الأسر بشكل صارخ.
ومن أبرز المظاهر التي تعكس تصاعد كلفة الموسم الدراسي عاماً بعد آخر، هو نزوح آلاف الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية. هذا العام وحده، شهد انتقال نحو 15 ألف طالب وطالبة، بعدما عجز ذووهم عن الاستمرار في تحمل تكاليف التعليم في المدارس الخاصة. في العام الماضي، بلغ عدد الطلاب الذين انتقلوا من المدارس الخاصة إلى الحكومية 137 ألف طالب، ما يبرز تأثير الأعباء المالية المتزايدة على قرارات الأسر الأردنية.
في مواجهة هذه الضغوط، تضطر العائلات ذات الدخل المحدود إلى البحث عن حلول لتخفيف العبء، كشراء الكتب المستعملة أو استعارتها، وخياطة الزي المدرسي بدلاً من شرائه، واقتناء المستلزمات المدرسية من الأسواق الشعبية.
في ظل هذا الواقع، تصبح التضحيات من أجل توفير التعليم أمراً محتوماً، لا خيار فيه.لكن تأثير ارتفاع تكاليف التعليم لا يتوقف عند حدود الأعباء المالية، بل يتعدى ذلك ليعمّق الفجوة الاجتماعية. تجد العديد من الأسر نفسها مضطرة للتنازل عن بعض الأنشطة المدرسية غير المنهجية، أو حتى إرسال أبنائها إلى مدارس حكومية قد تكون أقل تجهيزاً، وذلك لعدم قدرتها على تحمل تكاليف التعليم في المدارس الخاصة.
وتطرقت العقيلي إلى الاتجاهات التعليمية التي من المتوقع أن تشكل مستقبل التعليم في السنوات القادمة، مثل التعليم المدمج والتعليم القائم على المشاريع، مع تركيز متزايد على تعليم المهارات الحياتية كالتعاون والقيادة. وأشارت إلى إمكانية دمج هذه المهارات في المناهج الدراسية الحالية دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة، من خلال الأنشطة اليومية والنقاشات.
في خضم هذه التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر الأردنية مع بدء موسم العودة إلى المدارس، يتطلب الأمر حلاً شاملاً وجذرياً. فالارتفاع المستمر في التكاليف، بالإضافة إلى التفاوت في جودة التعليم بين المدارس الحكومية والخاصة، يفرض ضرورة تبني استراتيجيات تخفف العبء عن الأهالي وتضمن توفير تعليم عالي الجودة لجميع الطلاب.
وسط هذه التحديات، يظل الأمل معقوداً على تحسين النظام التعليمي وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى الجميع لتحقيقه.