بقلم جنى دبليز – ديمقراطيا نيوز
يعاني اللبنانيون ويلات الحرب الراهنة، ولعل أبرز تجلياتها هي الحرب النفسية الطاحنة التي يشنها العدوعليهم بلا هوادة، مستعينًا بأفتك أسلحته ، “الدعاية السوداء”، لسحق ما تبقى من معنويات الشعب، حتى و إن تمكنوا من الفرار من قبضته القاتلة. بالكاد يستعيد اللبناني توازنه ، حتى يعاود الخوف والعجز التسلل إلى وجدانه ، ليغدو رهينة لحلقة مفرغة ، بين منشورات التحذير من الإجلاء الليلي ، ودوي الغارات الحقيقية والوهمية ، وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تجوب سماء العاصمة شبه يوميًا.
وتزيد المشاهد المروّعة التي يبثها اعلام العدو من حدة الألم ، مشاهد لقرى منكوبة و جنود يجوبون أرجاءها ، ينتهكون و يدنّسون ما تبقى من الممتلكات الخاصة.
ما هي الآثار النفسية والاجتماعية للبروباغندا الإعلامية والسياسية على المجتمع من وجهة نظر مختصين في علم النفس والإعلام؟
في حديث خاص لموقع “ديمقراطيا نيوز” توضح الدكتورة غادة صبيح، المحاضرة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، أهمية فن الخطابة بالنسبة للشعوب العربية”عبر الزمان الكلمة و الحكاية أداة فعالة في تحريك الجماهير و توجيهها ، و يعود ذلك في صلب كينونة المجتمعات الشرقية و تحديدًا العربية.”
تعلّق الدكتورة صبيح على أهمية الحرب الإعلامية في الحروب النفسية ، “يتجلى هذا بوضوح عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة ، و من أوضح الأمثلة على ذلك الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.”
تضيف الدكتورة : ” لا شك أن منشورات أدرعي تصل إلى جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ، لكن علينا رؤيته فقط كمصدر معلومات ، مثل سائر وسائل الإعلام، مع الفارق في تقديمه للبنانيين وجهة نظر العدو..”
وتضيف أن هذا النشاط ، القديم الجديد ، يندرج في إطار محاولات مستمرة منذ زمن طويل لاختراق جيل الشباب ، وحثّهم على التفاعل و التواصل معه..”
اما بالنسبة لتخوين بعض القنوات المحلية، تجيب صبيح : “أعارض تخوين الإعلام ، فكل وسيلة إعلامية لها سياستها التحريرية الخاصة بها ، التي تعكس رؤيتها لهذه الحرب وكيفية إدارتها، لا سيّما أن لبنان يفتقر إلى إعلام رسمي قوي يمكنه أن يمدّنا بموقف الحكومة الرسمي ، لذلك لا يجدر تعليب اختلاف وجهات النظر بتهمة التخوين.”
و أضافت: “يتحمّل المتلقي أو المشاهد مسؤولية الوعي بذلك ، ويجب أن يتناول الموضوع من زوايا مختلفة و بعقلانية.
بالتأكيد، الإسرائيلي لا يقف عند منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أو تقرير تلفزيوني ليشرّع عدوانه الجاهر وانتهاكه المستمر للقانون الدولي.”
أما عن تقييمها لتغطية وسائل الإعلام، تقول صبيح: “يتم تحميل وسائل الإعلام وزر ضبط الفتن وحدها، فلا يعقل أن تحل محل الدولة في هذه الظروف الاستثنائية. فهم يقومون بعمل جبار. رغم استشهاد عدد من طواقمهم، إلا إنهم يواصلون رسالتهم الإعلامية واضعين دماءهم على كفهم.”
وتختم برجاء “تخفيف حدة توصيف الحدث واقتناء المصطلحات المناسبة للتعبير عن الاعتراض، والابتعاد عن الأسلوب المنفر الذي يصل إلى التخوين والتجريح بالآخر.”
في سياق متصل ، أشارت الأخصائية النفسية رادا الزعبي، في حديث خاص ل”ديمقراطيا نيوز”، الى التأثير السلبي للحرب الإعلامية على الجهاز العصبي للمرء ، إذ يقبع تحت وطأة إستثارة الدائمة أي بحالة يقظة تامة قد تصل الى حد إستنزافه.”
أما عن تأثير هذه الحرب النفسية على النازحين ، فتقول الزعبي : “تسجيل حالات قلق الانفصال بفعل التهجير القصري ، بالإضافة الى إضطراب القلق الدائم ، إزاء مصيرهم المبهم.”
و أوضحت “لا يجيز التكلم عن إضطراب ما بعد الصدمة ، مع عدم إنتهاء الحرب.”
و نوّهت الزعبي إلى ارتفاع نسبة تعاطي العقاقير المهدئة ، معزية ذلك إلى “تفضيل الأفراد لها على جلسات العلاج النفسي ، وذلك بسبب مفعولها السريع وانخفاض تكلفتها، لكنها حذّرت من تعاطيها بشكل عشوائي دون الرجوع إلى طبيب نفسي ، نظرًا لآثارها الجانبية على المدى الطويل”..
و ختمت الزعبي حديثها، بتوفير نصائح عملية لإدارة الصحة النفسية في الأوقات العصيبة ، تتمثل أولها في حصر ساعات مشاهدة الأخبار ، وثانيها المحاولة قدر الإمكان المحافظة على الروتين والإنتاجية ، وثالثها التخلص من عقلية الانتظار المتشائم للأخبار سيئة ، و التركيز على الحاضر ، و ترك الخبر يأتي بأوانه ، و على أساس ذلك يتم التعامل معه.”
في ظلّ هذه الحرب و ضبابية المصير، يبقى التعويل على الوعي النقدي و البحث عن تنوّع مصادر المعلومات أمرًا مُلحًا. كما يجب أن تكون الصحة النفسية أولوية قدر الإمكان ، بالإضافة إلى تكاتف المواطنين في هذه المحنة الوطنية المصيرية ، ومدّ بعضهم البعض بالمعنويات ، و وضع حدّ لاختلافاتهم و إجهاض مخطط العدو الفتنوي.