من أسقط نظام بشار الأسد ؟ايران و روسيا أم المشروع العربي الجديد؟

كتب د.عبدالله بارودي

سقط نظام عائلة الأسد في سوريا ، و معه سقط آخر الأنظمة البعثية في المنطقة بعد انهياره في العراق و اعدام رمزه رئيس البلاد صدام حسين على يد الاحتلال الأميركي و تحت اشراف ميليشياتهم الايرانية في بغداد.
يومها بدأ المراقبون يستشعرون التقارب الايراني الاميركي و تخوّفهم من ارتدادته السلبية و خطورته على المنطقة العربية بأسرها .. استكمل مخطط سيطرة المشروع الفارسي على المنطقة ، تمّ اغتيال رمز الاعتدال السنيّ رفيق الحريري وسط بيروت في العام 2005 ، ثم حذّر الملك الأردني عبدالله الثاني من مشروع “الهلال الشيعي” ، لتنطلق بعدها ما تُسمى ثورة “الربيع العربي” في مختلف الأقطار العربية بدءًا من مصر مرورًا بليبيا و تونس ، و انتهاءًا بسوريا و اليمن.
سقط كل الرؤساء العرب حسني مبارك ، معمر القذافي ، زين العابدين بن عليّ ، و علي عبدالله صالح. وحده صمد بشار الأسد ليس بقدراته الذاتية النابعة من قوة جيشه و بأسه و بطشه العسكريّ ، أو من محبة و اخلاص شعبه و رجائهم في استمرار حكمه و بقاء نظامه ، بل بفضل التدخل الروسي المباشر و قبله دعم “حزب الله” له بتوجيهات و فتوى مباشرة من المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي.
لكن كل ذلك، لم يكن ليحصل لولا غياب المشروع العربيّ حينها ، وتشابك المصالح الأميركية الايرانية في المنطقة ، وترك واشنطن بإدارتها الديموقراطية طهران تجتاح عبر أذرعتها الميليشياوية الدول العربية ، و تعيث فيها فسادًا و اجرامًا ، تسرح و تمرح من دون حسيب أو رقيب!..
عاملان أساسيان قلبا المعادلة التي كانت سائدة منذ العام 2003 و بلغت ذروتها في العام 2014 ، اولًا – عودة المشروع العربي بقيادة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان و معه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الملك الأردني عبدالله الثاني ، و رئيس دولة الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد.. هذا المشروع القائم أساسًا على النمو و الازدهار الاقتصادي في منطقة الخليج و الشرق الأوسط ، حمل في طيّاته اعادة احياء عملية سلام دائمة مع العدو الاسرائيلي ركيزتها الأساس حلّ الدولتين و قيام الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية ، صياغة علاقة سعودية ايرانية برعاية صينية قائمة على حسن الجوار و عدم التدخل في القضايا الداخلية للدول العربية ، مدّ جسور التعاون الاقتصادي و ابرام الصفقات العسكرية مع روسيا و اوروبا و في طليعتها فرنسا ، و تثبيت التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية ..
ثانيًا – عودة الحزب الجمهوري لاستلام الادارة الأميركية بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية للمرة الثانية من دون أي عناء يذكر ، بفعل انعدام التوازن الفكري و النفسي لدى الرئيس الحالي جو بايدن و ضعف المرشحة الديموقراطية البديلة كاميلا هاريس !..

ولعلّ العامل الثاني كان الأشدّ وطأة على محور الممانعة الايراني السوري ، فظهر أن ترامب عائد بقوة و في جعبته قرارات حاسمة لا تحتمل التأخير وعلى رأسها اضعاف النفوذ الايراني في المنطقة ، مع الإبقاء في المدى القريب أقلّه على العلاقة مع النظام الايراني و ضمان استمراره في الحكم !..

هذا القرار لم يأتِ فقط من أجل اسرائيل وأمنها ، بل من أجل استقرار المنطقة كلها و حماية مواردها بنفطها و غازها و قنواتها و مضائقها البحرية!.

لم يعد من المسموح اللعب في أمن هذه البقعة الجغرافية الاستراتيجية لا من قبل “الحوثيين” في اليمن ، ولا من قبل “حزب الله” في لبنان ، أو “حماس” في فلسطين ، أو حتى الميليشيات و الحشد الشعبي في العراق..
ترامب لا يفكر بإسرائيل فقط ، بل يشغل باله مصلحة أميركا الإقتصادية و رفاهية شعبه ، لذلك فهو لديه تحالف عميق مع دول الخليج و مصالح مالية ، عقد صفقة مربحة مع الرئيس التركي اردوغان ، و هو قاب قوسين أو أدنى من وضع حدّ للصراع الروسي الاوكراني بفعل علاقته بطرفيّ النزاع ..
عمليًّا توافق ترامب مع الأمير محمد بن سلمان على استراتيجية ” صفر” مشاكل و التركيز على البعد الانمائي و الاقتصادي و الدخول في عملية سلام شاملة مع اسرائيل ، كل ذلك ليتفرّغ للمشكلة الأخطر التي تواجه الولايات المتحدة الأميركية و هي الصين.
هذا التحدي الذي لا يمكن لترامب أن يكسبه مع كل المشاكل التي تحيط به من أوروبا الى الشرق الأوسط وما بينهما..

سقط النظام السوري بفعل كل هذه المتغيّرات ، فظنّ بشار الأسد ان التأجيل و التسويف كعادته بتنفيذ الحلّ السياسي الذي طالبه به العرب مرارًا و تكرارًا داخليًا ، و الإبتعاد عن حليفه الإيراني خارجيًا سيتيح له كسب الوقت و إستمرار الوضع بما عليه .. لم يدرك ان مصلحة روسيا و “قيصرها” ، و حماية نظام ايران و “مرشدها” أهم بكثير من بقائه على رأس السلطة في دمشق.. فجرى إبلاغه بأن الوقت قد أزف و حان موعد الرحيل !..

لكن ثمة من يؤكد ، أن ما تحقق انجاز على كل المستويات يجب المحافظة والتأسيس عليه ، لكن المطلوب الكثير في المرحلة المقبلة ، و التحدّيات ستبدأ في الظهور تباعًا ، فليفرح أبناء سوريا بحريتهم قليلًا ، لكن الأهم ما سيقرروه وما سيرسموه لمستقبلهم و مستقبل و طنهم بكل فئاته ، طوائفه ، قومياته ، و مجموعاته..
وللحديث تتمة..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top