أكد وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال فراس الأبيض أن النظام الصحي في لبنان ورغم موارده الضئيلة، استطاع أن يواجه أزمة العدوان الإسرائيلي الهائلة. وتمكن هذا النظام، الذي يسعى منذ تفجر الأزمة المالية في العام 2019 للصمود والإستمرارية، أن يواجه التداعيات الصحية للعدوان بشكل خاص؛ فلم يتم إهمال أي جريح بل استمرت المستشفيات، بفضل تنسيق وثيق بين وزارة الصحة العامة والمستشفيات والفرق الإسعافية، في استقبال كل الجرحى بالسرعة اللازمة وتقديم ما يحتاجون إليه من رعاية طبية نوعية متقدمة وعلاج ناجع وعمليات جراحية طارئة. وأوضح الوزير الأبيض أن هذا التنسيق شكل تطبيقًا لخطة استراتيجية إستباقية وضعتها الوزارة تحسبًا للعدوان وأثبتت نجاعتها لدى تنفيذها.
كلام الوزير الأبيض جاء خلال إلقائه كلمة لبنان في اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب بدورته الحادية والستين في العاصمة العراقية بغداد، حيث عقد وزير الصحة العامة سلسلسة لقاءات مع كل من وزراء الصحة في العراق صالح مهدي الحسناوي ومصر خالد عبد الغفار والأردن فراس الهواري وفلسطين ماجد عوني محمد أبو رمضان، كما التقى رئيسة المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة حنان بلخي إضافة إلى جملة لقاءات مع الوفود المشاركة ومسؤولي المنظمة تناولت سبل تفعيل التعاون وتنفيذ برامج مشتركة في مجال الصحة.
ورافق الوزير الأبيض مستشاره الدكتور محمد حيدر الذي حضر اجتماعات المجلس العربي للتخصصات الطبية والاجتماعات التحضيرية لدورة المجلس الحادية والستين.
وكان وزير الصحة العامة فراس الأبيض قد استهل كلمته في الاجتماع بالتأكيد “أن اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب مناسبة بالغة الأهمية في هذا الوقت الذي تشهد منطقتنا تطورات دامية تطرح تحديات هائلة وكبيرة على الأنظمة الصحية في بلداننا ولا سيما لبنان الذي تعرض لعدوان إسرائيلي متماد وممنهج أدى ولا يزال يؤدي إلى أعداد متراكمة من الشهداء والضحايا والجرحى”.
أضاف: “منذ بداية الإعتداءت الإسرائيلية قبل سنة وشهرين، وتوسعها في أيلول الماضي وصولا إلى الإعلان عن وقف الأعمال الحربية نهاية شهر تشرين الثاني، مر لبنان في ظروف شديدة الصعوبة والقسوة تعكسها الحصيلة البشرية للإعتداءات والتي لا تزال غير نهائية ومرشحة للإرتفاع مع استمرار عملية انتشال جثامين من تحت الأنقاض، علمًا بأن الخروقات المستمرة حتى الساعة أدت إلى سقوط 25 (خمسة وعشرين) شخصًا وجرح ثلاثة وثلاثين.
أما في الحصيلة الإجمالية غير النهائية فقد أدى العدوان إلى سقوط 4047 (أربعة آلاف وسبعة وأربعين) شخصًا وجرح 16638.
من بين هؤلاء 790 (سبعمئة وتسعون) سيدة شهيدة و2567 (ألفان وخمسمئة وسبع وستون) جريحة إضافة إلى 316 (ثلاثمئة وستة عشر) طفلا شهيدا و1456 (ألف وأربعمئة وستة وخمسين) جريحًا، ما يظهر بأن الإعتداءات استهدفت المدنيين بشكل مباشر خصوصًا في فترة توسع العدوان.
ولا ننسى عدد الشهداء والجرحى الذين بلغ عددهم الآلاف في يومين متتاليين، خلال الإعتداءين غير المسبوقين في تاريخ النزاعات الحربية، أي اعتداءي البيجر وأجهزة اللاسلكي اللذين شكلا تحديًا كبيرًا على مستشفياتنا وطواقمها الطبية والتمريضية لتقديم العلاجات السريعة والنوعية للجرحى الذين استدعت إصاباتهم متابعة متخصصة لم تقتصر على خدمات الطوارئ بل تطلبت دقة وحرفية في الخدمات المقدمة.
كذلك تطرح أرقام شهداء القطاع الصحي دلالات كبيرة:
222 (مئتان واثنان وعشرون) من العاملين الصحيين إستشهدوا وجرح 330 (ثلاثمئة وثلاثون).
من بين الشهداء 206 (مئتان وستة) من رجال الإسعاف، و257 (مئتان وسبعة وخمسون) جريحًا منهم.
أرقام تظهر أن غالبية الشهداء والجرحى من العاملين الصحيين كانوا من رجال الإسعاف الذين تم تدمير 256 (مئتين وست وخمسين) سيارة وآلية تابعة لهم.
كما لم تسلم المرافق الصحية حيث تضرر 94 (أربعة وتسعون) مركزًا طبيًا و40 (أربعون) مستشفى، بما في ذلك 67 (سبعة وستون) هجومًا مباشرًا على المستشفيات و231 (مئتان وواحد وثلاثون) هجومًا على خدمات الطوارئ الطبية”.
واردف: “الهجوم إذًا كان ممنهجًا ومتعمدًا على القطاع الصحي اللبناني. فقد تأكد لنا من يوميات العدوان أن القوات الإسرائيلية، وبتعطيل مهمات الإنقاذ واستهدافها، تريد أن تحوّل كل جريح إلى شهيد. فتم انتهاك القوانين الإنسانية الدولية على مدار الساعة وتجاهل مبدأ الحياد الطبي بشكل صارخ، الأمر الذي جعل المسعفين بدورهم مشاريع شهداء بوضعهم دمهم على أكفهم للقيام بمهامهم الإنقاذية والإنسانية والطبية.
أضف إلى ذلك، أن العدوان، وبأيام قليلة ومتسارعة، دفع، تحت وطأة آلاف الغارات الحربية المتواصلة، إلى تهجير مأسوي لأكثر من مليون ومئتي ألف شخص، ما يعادل ربع سكان لبنان، وتم إيواء الغالبية، في ظروف غير مثالية، ما أدى إلى انتشار حالات تسمم غذائي وأمراض جلدية وغيرها من الأمراض معدية أخرى، كما سجلت حالة كوليرا واحدة تم احتواؤها وعزلها سريعًا لعدم تجدد انتشار الفاشية.
كل ذلك وضع ضغطًا هائلا على النظام الصحي في بلدنا لبنان، وتسبب بتراجع حاد في الموارد والخدمات الصحية الاساسية والحيوية الاخرى، وكلكم تعلمون أن لبنان لم يخرج بعد وللسنة الخامسة على التوالي من أزمة مالية إنفجرت عام 2019 وصنفها البنك الدولي بأنها واحدة من أسوأ الأزمات المالية منذ القرن التاسع عشر. وكان من أسوأ تداعياتها موجة كبيرة من هجرة الكوادر الصحية”.
وتابع وزير الصحة العامة كلمته مضيفًا: “مما لا شك فيه أن نظامنا الصحي واجه أزمة هائلة. ولم تكن الأزمة الأولى. بل كانت حلقة كبرى توّجت مسلسلا من الأزمات المتلاحقة وقرعت ناقوس خطر هدد بانهيار النظام الصحي تحت وطأتها. ولكن، لست هنا لأكتفي بعرض الأزمة وما تسببت به من نتائج مأسوية ومدمرة للعدوان الإسرائيلي على بلدي لبنان. فقد استطاع بلدنا، بموارده الضئيلة، أن يواجه هذه الأزمة.
وتمكن القطاع الصحي، الذي يسعى باللحم الحي ومنذ العام 2019 للصمود والإستمرارية، أن يواكب التداعيات الصحية للأزمة ويواجهها بشكل خاص لا بل مميز. لم يُهمل أي جريح. إستمرت المستشفيات في استقبال كل الجرحى بالسرعة اللازمة وتقديم ما يحتاجون إليه من رعاية نوعية وعلاج ناجع وعمليات جراحية طارئة.
لم تتأثر هذه الخدمات باضطرار مستشفيات في الأماكن المعرضة للإعتداءات للإقفال القسري التام، أو الجزئي الذي اقتصر على خدمات الطوارئ فقط. بل حصل تنسيق وثيق بين وزارة الصحة العامة والمستشفيات والفرق الإسعافية لتأمين الجرحى إلى حيث يجب أن يُنقلوا ليحصلوا على ما يحتاجون إليه من خدمات ورعاية طبية متقدمة وغالبًا جراحية. في الواقع، حصل هذا التنسيق نتيجة خطة استراتيجية وضعتها الوزارة تحسبًا للعدوان.
خطة أثبتت نجاعتها والحمد لله.
فقد تم، بموجب هذه الخطة وقبل توسع العدوان، إنشاء برامج رئيسية، أبرزها مركز عمليات طوارئ الصحة العامة (PHEOC).
كانت مهمته الأساسية إدارة الإصابات وتنسيق نقل الجرحى والإستجابة الطارئة، الأمر الذي حال دون حصول إرباك في عملية الإهتمام بالجرحى بل كانت هذه العملية منظمة إلى أبعد حدود بحيث ينقل الجريح مباشرة إلى حيث يتم استقباله طبيًا بشكل فوري بحسب حالته الصحية وبحسب درجة إصابته، ما أمّن الفعالية الطبية والعدالة الإنسانية القصوى.
كذلك إهتم مركز عمليات الطوارئ بتوثيق بتوثيق حصيلة الإعتداءات من شهداء وجرحى، مع تفصيل هذه الإعتداءات والإهتمام بشكل خاص بتوثيق الإعتداءات على القطاع الصحي والتي لن تمر من دون إصرار من قبل الحكومة ووزارة الصحة العامة على طلب المحاسبة في شأنها.
كذلك يعود صمود النظام الصحي اللبناني خلال العدوان إلى ما حققته وزارة الصحة العامة من تحول رقمي أتاح إدارة لوجستية سريعة وشفافة لعبت دورًا مفصليًا في آليات التنسيق والتواصل فكانت سريعة ودقيقة وفعالة، وضمنت وصول الموارد إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
أضف إلى ذلك، العمل السابق على مدى سنوات من الإستعداد والإستثمار الاستراتيجي.
ففي لبنان شبكة رعاية صحية أولية تم تعزيزها عبر سنوات، وتم الإرتكاز إليها في خطة الطوارئ الإستباقية التي وضعتها الوزارة تحسبًا للعدوان. كان لهذه الشبكة دور أساسي في تلبية الاحتياجات الصحية للنازحين داخليًا.
لم تكتف الوزارة بذلك، بل عملت على فرز وحدات طبية متنقلة تزور النازحين في أماكن استضافتهم لتلبية مجمل الاحتياجات.
كذلك أسهمت وحدة الترصد الوبائي (ESU) التابعة لوزارة الصحة العامة في الكشف المبكر عن الأوبئة والاستجابة السريعة للصحة العامة، مما حد من الأزمات الإضافية وسط الفوضى التي استشرت على كل صعيد”.
ولفت الأبيض إلى أن “دعم الدول العربية الشقيقة لا يُقدَّر بثمن وسط هذه الأزمة الحادة”، مضيفا أن “لبنان تلقى أكثر من 700 طن من الأدوية والإمدادات الطبية من الدول العربية الشقيقة، والتي وصلت في وقت كانت البلاد بأمسِّ الحاجة إليها. كما جاء الدعم المالي من جامعة الدول العربية ليعزز من قدرة وزارة الصحة العامة على التصدي للتحديات الهائلة التي فرضها العدوان الإسرائيلي. لعب هذا الدعم، بشقيه المادي والمعنوي، دورًا حاسمًا في تمكين الوزارة من الاستجابة بشكل فعال للاحتياجات الإنسانية الملحة، سواء للجرحى أم النازحين”.
وعبر الأبيض عن “عميق الشكر والامتنان لهذا التضامن العربي الأخوي، الذي كان بمثابة شريان حياة أساسي في مواجهة هذه الأزمة، ولولاه لكانت التحديات التي نواجهها أكبر بكثير وأشد وطأة”.
وقال: “إن هذه التجربة التي خضناها، تؤكد الأهمية الحيوية للاستعداد الإقليمي والعمل الجماعي لمواجهة تحديات الأمن الصحي. فعالمنا العربي يواجه صراعات متكررة تطرح تحديات كبرى على الأنظمة الصحية للبلدان. ومما لا شك فيه أن تعزيز المؤسسات والبرامج الإقليمية بشكل أكثر استراتيجية، هو أمر ضروري للاستجابة المنسقة والإستعداد لأي أزمة مستقبلية بما يضمن حق الجميع في الصحة والخدمة الطبية عبر حدودنا”.
وختم وزير الصحة، قائلا: “وأنا آت من لبنان الذي أنهكته الحروب، أبدي ارتياحي بأن القطاع الصحي في بلدنا ورغم قلة الموارد شكل مثالا للصمود. لكننا لا نستطيع مواجهة التحديات بمفردنا. نحن ممتنون جدا لدعم اخوتنا العرب وشركائنا الإقليميين والدوليين ونتطلع للعمل معًا لتعزيز قدراتنا الجماعية على مواجهة تحديات الأمن الصحي. دعونا نستغل هذه المرحلة التاريخية لنجدد التزامنا بحماية أرواح أهلنا في مجتمعاتنا العربية المنهكة، وضمان وصولهم إلى الرعاية الصحية الكاملة، فإذا كانت الصحة بخير تكون بلداننا بألف خير”.