الطريق إلى القدس أو إلى ١٧٠١؟

بقلم جوزيف وهبة

كلّنا مندهشون كم أنّ خسائر “حزب الله” جسيمة في الحرب الإستنزافية التي يخوضها في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، مدّعياً إشغال الجبهة الشمالية للتخفيف عن جبهة غزّة الداخليّة، فيما يعلن العدو نفسه عن سحب 5 ألوية من حرب غزّة، تخفيفاً للثقل الإقتصادي من جهة، ولعدم حاجته الى مزيد من الجيوش في حرب ما بعد 7 أوكتوبر ٢٠٢٣..

في اليوم الأول للسنة ٢٠٢٤ نعى الحزب 4 شهداء، وكان العدد قد ناهز ال 150 شهيداً في شهريّ ٢٠٢٣ الأخيرين، ما يعني أنّ الكلفة كبيرة وكبيرة جدّاً: فما هو الشعار السياسي الذي يستحقّ كلّ هذه التضحيات؟

مع بداية المعركة، كلّنا يذكر البروباغاندا الهوليودية التي رافقت دخول الحزب الى المعركة:غياب نصرالله عن الشاشة، أفلام قصيرة ترويجية أقرب إلى أسلوب هيتشكوك التشويقي، وصولًا الى الكتابة بخطّ يده إستهدافات الحرب، طالباً من قيادة الحزب نعي الشهداء تحت شعار “في الطريق الى القدس”: فهل لا زال هذا الشعار صالحًا بعد تدمير غزّة، وبعد تهجير أكثر من مليون ونصف المليون غزّاوي، إضافة إلى حوالي 50 ألف شهيد ومفقود من المدنيين، وبعد انتقال البحث الدولي العلني إلى الإجابة على السؤال: من يحكم غزّة بعد هدوء دويّ المدافع..وما هو مصير قيادات حركتيّ حماس والجهاد، بالرغم من القتال البطولي الذي تخوضه كلتا الحركتين، إن في الأنفاق الأسطورية، وإن في ما سمّي القتال على مسافة صفر؟..

لم تعد الطريق الى القدس معبّدة كما حلا ويحلو لبعض المؤمنين بالحقّ والنضال أن يتوقّعوا أو يتمنّوا. فالواقع، بنتائج الحرب على الأرض وبالمفاوضات الجارية في الغرف المغلقة، يقودنا إلى حقائق أخرى وإلى حسابات أخرى.

فكما في غزّة يدور البحث حول طبيعة حكم القطاع، كذلك في لبنان تدور المفاوضات في مصير وكيفيّة تطبيق القرار الأممي ١٧٠١.

المبعوث الأميركي هوكشتاين “رايح جايي” إلى لبنان لا لإحصاء عدد المواقع الإسرائيلية التي استهدفها الحزب بصواريخه الذكيّة، ولا لتعداد عدد الشهداء الذين يرتقون كلّ يوم مع هدم كلّ بيت في كفركلا أو حولا أو شبعا ويارون، وإنّما للبحث في تفاصيل تطبيق ما يمكن تطبيقه من القرار ١٧٠١: أيّ نقاط حدوديّة تنسحب منها إسرائيل بما يُرضي الحزب والدولة اللبنانية.. وأيّ مسافة في عمق الجنوب تتراجع إليها قوّات الرضوان التي لم تبدّل تبديلًا، لا في معركة الجنوب ولا في مسار الحرب المتوحّشة على غزّة وأهل غزّة، بما يُرضي الكيان الصهيوني وسكّان المستوطنات الشمالية؟.

القتال يدور والمفاوضات شغّالة، من واشنطن إلى طهران مرورًا بالدوحة وباريس وعواصم أخرى.

ولكن ثمّة أمر وحيد قد تبدّل بالتأكيد، وهو أنّ الشهداء فوق أرض الجنوب لا يسقطون لتحرير القدس ولا من أجل حلّ الدولتين، وإنّما لأجل تحسين شروط المفاوضات حول القرار ١٧٠١.

فهل يستحقّ تطبيق هذا القرار ولو بحذافيره كلّ هذا النزف اليومي الحاصل في شباب الجنوب والبقاع والضاحية؟.

يطلّ السيّد حسن نصرالله اليوم، ليمجّد الشهداء (وهم حقّاً يستحقّون التمجيد)، وليملأ فضاء الكلام بقدسيّة القضيّة الفلسطينية (وهي فعلاً محقّة ومقدّسة)..ولكن سيغيب عن خطابه بالتأكيد أنّ كلّ هذا الموت لا يتماهى مع كلّ هذه الشعارات، وأنّ كلّ ما سيقوله ليس بالضرورة هو ما تفعله أو تفاوض لأجله طهران..

نحن والشهداء في وادٍ، والمفاوضات الدولية القائمة على قدمٍ وساق في وادٍ أخرى!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top