كتب صائب بارودي
“حرب غزة” وهو ما أجمع على تسميتها أهل السياسة والإعلام، وإسمها الفلسطيني العاطفي “طوفان الأقصى ” الذي هاجت وماجت به حركة حماس على غلاف غزة فاقتلعت ما عليه من مستوطنات صهيونية وقتلت من قتلت وأسرت من أسرت من سكانها ولاذ بالفرار من استطاع إليه سبيلا .
“طوفان الأقصى ” الحمساوي ما لبث أن أعقبه بعد ساعات “تسونامي” صهيوني اجتاح قطاع غزة فلم يبق فيه حجرًا على حجر ولم يذر، وأسقط عشرات الآلاف بين شهيد ومصاب من البشر، وهاجر قسراً مئات الآلاف من ديارهم وأراضيهم مرمى البصر وغضّ النظر وسقطت كل القيم والمبادئ الإنسانية أمام هول الجرائم والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة الصابر والصامد أمام كل الأهوال والمحن التي تصيبه. وكأنها لم تكفه موجات اللجوء والنزوح بعد نكبة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧ ليتشتت مجدّداً في مدن القطاع بين شماله وجنوبه وشرقه وغربه.
“حرب غزة” لم تنته رغم انقضاء ثلاثة أشهر على إنطلاق شرارتها الأولى. ولن تنتهي طالما الراعي الرسمي لها والمشرف على إدارة مجرياتها وأحداثها الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الأوروبيين وبعض المستعربين الذين انتشرت أساطيلهم البحرية في سواحل البحر الأبيض المتوسط منذ اللحظة الأولى مواكبة ودعماً للعدوان الصهيوني على غزة، لم يعطوا الضوء الأخضر بعد لإيقافها وإن علت أصواتهم مطالبة بالتهدئة ووقف إطلاق النار وتكثفت إتصالاتهم وتسارعت تحركاتهم وتعدّدت زيارات مبعوثيهم وموفديهم المكوكية سعياً لإيجاد الحل المنشود ، فالإبتزاز والنفاق الأميركي يظهر جلياً في ممارسة حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنعه من إصداره أي قرار أممي لوقف إطلاق النار، لتنكشف النوايا الخبيثة والمشبوهة للإدارة الأميركية.
“حرب غزة” لم تنته ولن تنتهي وإن انخفضت وتيرتها، وخفت حدّتها طالما أن الحلّ الأميركي المنشود ليوم موعود بعد حرب غزة لم يصل إلى مرحلة النضوج وبالتالي إمكانية التنفيذ والتحقيق.
“حرب غزة ” لم تنته ولن تنتهي طالما أن المفاوضات والمباحثات بين الإدارة الأميركية و إيران طبعاً ليس من أجل تحرير القدس وفلسطين بل حول الملف النووي وضمان المصالح والمكتسبات وتقسيم النفوذ والهيمنة على المنطقة. وكلاهما يمارسان النفاق و الإبتزاز لتحقيق مآربه وغاياته.
فالإدارة الأميركية تمارس الضغوط و الإبتزاز على إيران عبر دفع الكيان الصهيوني لإفتعال مناوشات و إشتباكات عسكرية مع مواقع النفوذ الإيراني في لبنان و سوريا و العراق وإن كان بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات قيادية مهمة لأذرعتها في تلك الدول ك”حزب الله”و”حماس” في لبنان وسوريا والحشد الشعبي في العراق كما حدث مؤخراً في اغتيال نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري في بيروت، والقيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي الموسوي في سوريا، وقائد فصل “النخباء” في الحشد الشعبي العراقي، رغم أصوات التهديد والوعيد التي أطلقت وذهبت هباءً منثورًا.
واللافت أن المسؤولين الإيرانيين وهم يمارسون الضغوط المضادة على الولايات المتحدة الأميركية عبر هذه الأذرع العسكرية يوعزون إلى مستشاريهم وقياداتهم العسكرية تجنب المواجهة المباشرة مع أميركا، والتزام الصبر الإستراتيجي.
بالمختصر،”حرب غزة” لم تنته ولن تنتهي طالما أن أحد طرفيها أو كلاهما لم يحقق أهدافه، فالكيان الصهيوني لم يستطع القضاء على “حماس” وبنيتها العسكرية ، وفشلت “حماس” في إثبات حضورها وتعزيز دورها المستقبلي في السلطة الفلسطينية والإعتراف بها دولياً كطرف رئيسيّ في أي مفاوضات للمرحلة المقبلة.
“حرب غزة” لم تنته، لكنها في الحقيقة الساطعة والثابتة، أنهت في عهد نتنياهو اسطورة التفوق العسكري للكيان الصهيوني والدولة الحلم للشعب اليهودي في أشتات العالم .