الديو السياسي!
كتب صائب بارودي
شهدت الأزمة السياسية اللبنانية في الآونة الأخيرة حفلًا سياسيًا صاخبًا أحياه الديو السياسي الماروني (القوات اللبنانية – التيار الوطني الحر )والديو السياسي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) حضره حشد غفير من المؤيدين والمشجعين لكلا الطرفين حيث سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في التصعيد الخطابي حتى بلغ حد التحريض وإثارة الفتنة كادت تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في البلاد .
وهما يتوجهان من خلاله إلى جمهورهما وبيئتهما الطائفية لاستفزاز مشاعرهما واستنهاض حماسهما لكسب الدعم والتعاطف ولو على حساب مصلحة الوطن الذي يدعيان زورًا وبهتانًا أنهما يسعيان بكل إمكانياتهما إلى بنائه وتوطيد أركانه وصون وحدة شعبه الوطنية.
ويجب الإقرار هنا أن هذين الثنائيين يتحكمان في مفاصل الأزمة من خلال فرض كل منهما الشروط والشروط المضادة للتوافق على المعالجة.
وإذا كان “حزب الله” عبر الخطابات المتوالية لأمينه العام السيد حسن نصرالله وتصريحات قياداته المختلفة تكشف عن نوايا التعطيل والعرقلة، تبقى “حركة أمل” عبر رئيسها نبيه بري وخطاباته وتصريحاته تتميّز بالعقلانية والإتزان في مواقفه السياسية.
هذا الإعتدال الذي يتسم به الرئيس نبيه بري يكسبه القدرة على التعاطي والحوار مع مختلف الأطراف السياسية الأخرى حول الأزمة السياسية اللبنانية والسعي إلى إيجاد سبل معالجتها مع باقي الأفرقاء.
أما “حزب الله” فإنه رغم كل مواقفه العلنية وخطابات أمينه العام المتعددة المتّسمة بالشدة أحيانًا والمرونة أحيانًا أخرى كما يقرأها المراقبون ، فإنه في العمق التحليلي لا يبالي بالوضع اللبناني واستقراره وأمنه واقتصاده لعدم اعتباره وطنًا نهائيًا له، فهو وفق عقيدته الدينية والسياسية يسعى بكل إمكانياته لإضعاف سلطاته ومؤسساته ودفعها للإنهيار للسيطرة عليها، وبالتالي ضمّه إلى ولاية الفقيه واعتباره جزء من النظام الإيراني كما يصرّح بين الحين والآخر في خطاباته وباعتزازه وافتخاره بالإنتماء والولاء والإلتزام بهذا النهج العقائدي الديني والسياسي.
وما دام الأمين العام ل”حزب الله” يقرّ بأن كل موارده المالية والعسكرية والبشرية أيضًا مصدرها إيران مع تأكيد الولاء والإلتزام بتوجيهات المرشد الأعلى وتحقيق مصالحه وتنفيذ مآربه وتعزيز سيطرته ونفوذه باعتباره ذراعه السياسية والدينية في لبنان. فلماذا البحث والتدقيق في حقيقة مواقفه اتجاه الأزمة اللبنانية والدور الذي يؤديه وخلفياته وأهدافه أيًا كانت إيجابياته أحيانًا، فهي آنية وظرفية ومرحلية طالما تخدم استراتيجيته السياسية المرسومة إيرانيًا والهادفة إلى دعم سياساتها ومصالحها الدولية.
أما لجهة(الديو) الثنائي الماروني القوات والتيار فإن كل منهما يضع نصب عينيه مصالحه الخاصة الضيّقة في تعاطيه مع الأزمة اللبنانية وينازع كل منهما الآخر لاحتكار حق التمثيل الماروني والدفاع عن مجتمعه وحمايته، وإذا ما فرضت عليهما الظروف والأحداث المهادنة والتهدئة فيتجهان إلى المصالحة المرحلية ضمن إتفاق محاصصة وتقاسم نفوذ كما حدث في “تفاهم معراب” حيث اتفقا على احتكار التمثيل المسيحي في الدولة وتقاسم السلطات والإدارات والتعيينات فيما بينهما وتجاهل باقي القوى المسيحية.
وإذا ما انتهت مرحلة المهادنة وسقطت مستلزماتها وانتهت ضرورياتها، عاد الإشتباك ليحتدم بين الطرفين وتدور بينهما أشرس المعارك الخطابية السياسية متهمًا كل منهما الآخر بالخيانة والغدر حتى يبلغ أحيانًا درجة التشويه والتحقير.
وما حدث في الآونة الأخيرة من تبادل الإتهامات بين الطرفين بأسلوب تحريضي شعبوي هو دليل على أن الصراع محتدم وقد يشهد تصعيدًا خطيرًا مع اقتراب يوم الحسم والفصل.
فرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أدرك تمامًا أنه لن يتحقق حلمه الرئاسي لا ترشحًا ولا ترشيحًا. لذلك يحاول المناورة والمراوغة والابتزاز في حواره مع حزب الله عسى أن يكون ناخبًا رئيسيًا للرئيس العتيد، ليحقق له مصالحه ويعزّز مكاسبه ونفوذه وحصصه في مواقع الدولة والسلطة تحت يافطة حماية حقوق المسيحيين ومشاركتهم الفعلية في السلطة، باعتباره الممثل الوحيد والمتحدث الفريد بإسم الطائفة الكريمة قاطعًا الطريق على سمير جعجع رئيس “القوات اللبنانية” كي يفقده أي دور يحقق حضوره وتمثيله المسيحي!..
في المقابل فإن سمير جعجع مع متابعته لتحرك باسيل ولقاءاته ومفاوضاته التي يسعى من خلالها لتحقيق مصالحه وتعزيز نفوذه في العهد المرتقب مع “حزب الله” الذي يمكن أن يحققها له بحكم قبضه على زمام الحلّ والربط للأزمة في الجهة الأخرى، وهو ما يخشى حصوله سمير جعجع ليبقى خارج هذه الدائرة المستفيدة، لذا يرفع سقف خطابه السياسي المتشدّد متهمًا إياه بالخيانة ملوحًا ومهددًا بتحركات تصعيدية تمنع انتخاب رئيس يضمن مصالح خصمه اللدود باسيل بمعزل عن الإهتمام بمصلحة الوطن وشعبه.
لذلك فالمراهنة على حلّ الأزمة اللبنانية عامةً وانتخاب الرئيس العتيد خاصةً عبر هذين “الديو ” الثنائيان الطائفيان هو رهان خاسر وفاشل، رغم أنهما يبدوان في الظاهر القابضان على زمام الأمور والمتحكمان بمسارهاونتائجها وما بينهما من تفاصيل وإن بدت ثانوية.
ورب سائل عن موقف القوى السياسية الأخرى خاصةً الإسلامية السنيّة التي تبدو بعيدةً عن المشهد، يجد أن هذه القوى تتخذ مواقف متناقضة وغير ثابتة أحيانًا وتنتظر مع كل الآخرين كما يُعرف في العادة وصول كلمة السر مع صكوك ضمانات لمصالح وحصص كل الأطراف الأخرى، خصوصاً بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي، وهذا حديثه ذو شجون وأبعاد لا مجال لذكرها الآن وتحتاج لصفحات قد نتناوله لاحقًا !