كتب زياد شبيب في “النهار”: 

مما لا شك فيه أن إبعاد إسرائيل عن جريمة تفجير مرفأ بيروت كان سببًا لاستحالة الوصول إلى الحقائق الكاملة حول هذه الجريمة بعد أن أصبح البعد الداخلي المحلي للجريمة هو الملعب الوحيد الذي دارت فيه الاتهامات والتحقيقات وما تلا ذلك من استخدام للتعقيدات القانونية توصّلًا إلى تجميد الملف عند نقطة منع صدور القرار الظنّي. وبذلك دفعت الأطراف الداخلية المشاركة في إستبعاد الدور الإسرائيلي الأكيد، ثمن هذا الخيار وكان عليها أن تتحمل وزر الاتهام وعبء تصفية الملف المستمرة دون أن تُدرك أنها كانت سوف تتحمل لهيب الملف في الحالتين.

عند كل حلقة من حلقات الإجراءات المتناسلة في إطار عملية التصفية الداخلية للملف تعود الجدالات العقيمة المترافقة مع التشوهات القانونية غير المسبوقة ومع الاتهامات التي يتخذ بعضها طابعًا لا يصبّ بطبيعته في صالح الحقيقة، ومنها ما يُساق بحق النيابة العامة لدى محكمة التمييز على خلفية ما اتخذته هذه الأخيرة قبل التفجير من قرارات وتحديدًا بصدد تقرير المديرية العامة لأمن الدولة حول المواد المتفجرة، وعلى خلفية قراراتها بتخلية الموقوفين والإدعاء على المحقق العدلي. أما السبب الذي يضع هذه الاتهامات خارج إطار خدمة الحقيقة فهو أن حصر الملف في بعده الداخلي عزّز فرضيات حول سبب التفجير من نوع الحريق الذي اندلع في العنبر رقم 12 وهذا ما ردّه البعض وحاول التحقيق إثباته إلى أعمال التلحيم التي نُفذت بأمر من النيابة العامة التمييزية لباب العنبر.

اليوم وبعد أن تبدّدت الأجواء السياسية وأحوال الرأي العام التي كانت قائمة في الرابع من آب العام 2020 والتي حملت الأطراف الداخلية المعنية على القبول آنذاك بوساطة الرئيس الفرنسي لإبعاد الطرف الإسرائيلي، والتي كانت تُناسب الداخل وتريحه من مسؤولية الاتهام المتأتية من المواد الموجودة في العنبر وما يترتب عليها من غضب داخلي وواجب الردّ على العدوان، وبعد أن سقط ما يُسمّى قواعد الاشتباك مع العدوّ، لا بدّ أن يُعاد النظر بما حصل في صيف العام 2020 وأن يُعاد البحث عن الحقيقة من منظار آخر وهذا يتطلب التوقف عن الغرق في الوحل الداخلي لهذا الملف والتفتيش عن الأدلة التي تثبت الاعتداء الاسرائيلي على مرفأ بيروت. هذا التوجّه إذا ما تمت العودة إليه يجب ألّا يؤدي بطبيعة الحال إلى إهمال البعد الداخلي للملف ويجب ألا يؤدي إلى تبرئة أي من المسؤولين الداخليين الذين كان لهم دور في وجود أو بقاء الأمور على ما كانت عليه في العنبر بما أدى إلى إمكان حصول التفجير سواء كان ذلك قد تم بصواريخ من الجو أو البحر أو بعمل تخريبي على الأرض أو بهذا وذاك.

هذا الملف وكما يعلم المعنيون، لن يكون ممكنًا دفنه بالنظر إلى حجم الدم والألم والدمار الذي نتج عنه ولن تنفع العوائق التقنية القانونية المستخدمة في إطار تعطيله بتأدية هذا الغرض إلى الأبد، ولا بد من أن يأتي وقت مواجهته بجدية ومن منطلق الحقيقة. وهذا ما سوف يفرض نفسه على الرئيس القادم والحكومات التي سوف تتشكل في عهده، لأن التشكيلات القضائية سوف تحصل ونصاب المحاكم سوف يكتمل وسوف يستمر العمل في جوانبه من محقق عدلي يستكمل التحقيق أو من المحقق العدلي الحالي ويصدر قرار ظني وينعقد المجلس العدلي للمحاكمة فيه. ألا يدعو ذلك إلى إعادة النظر بتسوية صيف العام 2020 لأجل الحقيقة.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top