قلم جوزاف وهبة
منذ السابع من أكتوبر المجيد، لا يكاد يمرّ يوم واحد دون الإستماع الى بيانات للمقاومة الإسلامية – “حزب الله” عن الجنوب، أمّا تزفّ ارتقاء أحد المجاهدين على طريق القدس وقد تجاوز العدد 160 شهيداً بين قياديين وعناصر.. وأمّا تتحدّث عن إستهداف أحد المواقع الإسرائيلية (موقع السماقة، مرتفع أبو دجاج، محيط موقع الراهب..دون أن ننسى عامود المعلومات الذي لم يسقط رغم القصف والقنص المناسبين) في الجهة المقابلة من الحدود، وذلك بالأسلحة المناسبة، مع ملحق دائم يضيف على صياغة البيان عبارة “وقد أوقعنا فيه إصابات مؤكّدة بين قتيل وجريح..”. فهل هناك من تناسب تكتيكي أو استراتيجي بين محصّلة بيانات الإرتقاء وبين محصّلة بيانات الإستهداف؟.
في التكتيك، لم تنفع كلّ الصواريخ الموجّهة ورصاصات القنص الذكيّة في منع الإنكشاف الأمني غير المسبوق لتحرّكات الحزب، من قلب الضاحية الجنوبية في بيروت (إغتيال الرجل الثاني في حركة حماس صالح العاروري مع قياديين ميدانيين..)، إلى كلّ بلدة وقرية في الجنوب حيث تلاحق المسيّرات الأفراد والخلايا ما أن تتحرّك في سيارة(لماذا يصرّ الحزب على استعمال سيارات الرابيد وقد صارت هدفاً سهلاً؟)، أو ما أن تلجأ الى منزل يظنّونه آمناً خفيّاً كما في حال الخليّة القياديّة التي سقط من ضمنها نجل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.
مع العلم بأنّ العدوّ الإسرائيلي قد ترك للحزب أن يسرّ ويهلّل لضرب “تكنولوجيا عامود المراقبة والإستطلاع” فيما كان يعلن عن إطلاق أكبر منطاد تجسّس في العالم فوق الجنوب وكلّ لبنان، وهو ما لا تستطيع أن تطاله أيّ من صواريخ الرضوان والكورنيت والتكنولوجيا الإيرانية البدائيّة!.
في الاستراتيجيا، إنّ فشل “حرب الإشغال” أكثر دلالة وفداحة.ففي ظلّ كلّ هذا الإشغال المفترض (مع عمليات الحشد الشعبي ومناورات الفاطميين والزينبيين وقرصنة الحوثيين في البحر الأحمر) على جبهة إسرائيل الشمالية، إستطاع جيش العدو أن يدمّر حوالي 45 بالمئة من أبنية غزّة، كما جاء في آخر تقرير دولي للأمم المتحدة.
كما استطاع أن يسيطر عمليّاً على الجزء الشمالي من القطاع، وهو يخوض حاليّاً حرب السيطرة المعقّدة والمكلفة على خان يونس والشطر الجنوبي، علماً بأنّه وفي الوقت نفسه قد بدأ بسحب بعض كتائبه المقاتلة، بمعنى التخفيف من إنتشاره العسكري إستعداداً للمرحلة الثالثة من الحرب، والتي تقوم على العمليّات الموضعية والنوعية وعلى تكثيف الإغتيالات.
إدعاءات السيّد حسن نصرالله لم تدم طويلاً، كما أنّ نجدته لكتائب القسّام، تحت عنوان “وحدة الساحات” لم ترتقِ الى المستوى العسكري المطلوب.
غزّة وحدها دفعت الثمن الذي لا يعوّض، في البشر والحجر، وكلّ ما جاءها من الإخوة في الجهاد مجرّد “مناوشات” لم تقدّم ولم تؤخّر في مسار الحرب الدائرة بلا هوادة ولا حدود ولا سقوف ولا مواثيق أخلاقية!.
الحرب ليست شعارات ولا مناوشات ولا تهديدات بما “بعد بعد حيفا”.
هي قبل كلّ شيء حسابات سياسية، لم تحسبها جيّداً حركة حماس.
وهي شبكة مصالح تكون الأذرع العسكرية فيها – مهما بلغت من القوّة والبأس – مجرّد أوراق يستعملها “الرأس” عندما يحين موعد جلوس الكبار على طاولة المفاوضات!.