كتبت سلوى البعلبكي في “النهار”:
بعد طول انتظار وأخذٍ وردّ، وتشكيكبقدرة المكونات النيابية على الاتفاق على تمرير موازنة 2024 في المجلس النيابي بعد التعديلات الجوهرية التي لحظتها لجنة المال في 26 جلسة ماراتونية، أُقرت الموازنة، وربما يصحّ القول إنه أُقر ثلثا موازنة جديدة بعدما طارت معظم البنود واستُبدلت أو عُدّلت أحكامها.
يسجَّل للجنة المال والموازنة ديناميتها في مقارعة الحكومة من خلال اصرارها على “التشريح المملّ” وتفنيد الارقام بالتفصيل، بما يخدم المال العام وحاجة الدولة من جهة، وقدرة وامكانية المواطنين والشركات والمؤسسات والمستثمرين في زمن الانهيار المتمادي في معظم القطاعات الاقتصادية والانتاجية من جهة أخرى. فقد أسفر درس مشروع قانون موازنة العام 2024 عن الغاء 46 مادة، وتعديل 73 مادة وإقرار 14 مادة كما وردت، وإضافة 8 مواد.
على صعيد الإلغاء، يُعدَّ إلغاء 46 مادة بمثابة “إلغاء 30 كارثة على الأقل”، لا سيما أن من المواد الملغاة ما يُعتبر فرسان موازنة، ومنها ما يتعلق باستحداث ضرائب ورسوم جديدة أبرزها:
– اقتطاع نسبة 3% من قيمة الودائع المصرفية العائدة لمتوفى (المادة 79).
– فرض رسم على التلامذة في التعليم الخاص (المادة 128).
– استحداث رسم بدل خدمات سريعة وطارئة في الإدارات العامة (المادة 20).
– فرض رسوم على بدلات خدمات في معظم الوزارات كالتربية والتعليم العالي والشباب والرياضة والعمل والبيئة (وزارة التربية والتعليم العالي 63 – وزارة العمل 54 – وزارة الشباب والرياضة 57 – وزارة البيئة 98).
– فرض رسم على شاحنات النقل الخارجي الأجنبية التي تدخل إلى لبنان (المادة 114).
– مضاعفة الغرامات 40 ضعفاً (المادة 60).
– الإجازة لمجلس الوزراء تعديل التنزيلات على شطور الضرائب والرسوم (المادة 83).
– فرض رسم على المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والمشروبات التي تدخل فيها مادة السكر (المادة 104).
– فرض رسم إضافي على الترخيص باستثمار المؤسسات السياحية (المادة 44).
– فرض رسم على تصدير الفائض من مخلّفات بعض المواد الخام (المادة 117).
– فرض رسم على بعض منتجات التبغ والتنباك وبدائلها (المادة 118).
– إعفاء الهبات المقدمة من الخارج إلى مؤسسات المجتمع المدني من الضريبة على القيمة المضافة (المادة 126).
كما أُلغي كل من النص المتعلق بلحظ اعتمادات لتغطية فوائد القروض الإنمائية، بعدما تبين مدى الزبائنية التي اكتنفت منح هذه القروض، وتفرّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة بتقريرها (المادة 10)، والنص المتعلق برفع غرامة تنفيذ وثيقة الوفاة بمعدل 15 ضعفاً (المادة 93)، اضافة الى النص المتعلق بالإجازة للمكلفين بتسديد الضرائب والرسوم المتوجبة عليهم عن الفترات السابقة من حساباتهم المفتوحة بالعملات الأجنبية لدى المصارف قبل تاريخ 18/10/2019 على أساس 50% من سعر الصرف في المنصة المعتمدة من مصرف لبنان (المادة 21).
على صعيد التعديلات، فقد تناول تعديل النص المتعلق بإجازة الاقتراض وحصرها بالعجز المقدر في الموازنة لأن هذه الإجازة، قبل تعديل سقف الاقتراض، كانت تكلف الخزينة ما لا يقل عن ألف مليار ليرة من فوائد على سندات خزينة لا حاجة لإصدارها.
– تحديد طريقة فتح اعتمادات العقد والدفع للقروض التي تعقدها الدولة أو تُعقد لحسابها، إذ تبين أن ما من قرض فُتحت له اعتمادات عقد ودفع على الإطلاق.
– ضبط الإنفاق من الهبات بإلغاء النص الذي يخرجها من الرقابة المسبقة على عقد النفقات من قِبل ديوان المحاسبة ومراقب عقد النفقات.
– إنصاف ذوي الدخل المحدود من الموظفين والأجراء عن طريق:
• رفع قيمة شطور ضريبة الدخل المتوجبة على رواتبهم وأجورهم الشهرية منها واليومية بمعدل 60 ضعفاً عما كانت عليه قبل العام 2022 بعدما كانت في مشروع الحكومة 11 ضعفاً. فالشطر الأول الخاضع للضريبة بنسبة 2% كان 6 ملايين ليرة قبل العام 2022 فأصبح في مشروع الحكومة 70 مليون ليرة وبعد التعديل من قِبل اللجنة 360 مليون ليرة.
• رفع قيمة التنزيلات العائلية المعفاة من ضريبة الدخل بمعدل 60 ضعفاً عما كانت عليه قبل العام 2022 بعدما كانت في مشروع الحكومة 14 ضعفاً. فبعدما كان التنزيل العائلي للموظف الأعزب 7,5 ملايين ليرة أصبح في مشروع الحكومة 108 ملايين ليرة وفي تعديل اللجنة 450 مليون ليرة.
– تخفيف العبء الضريبي المتوجب على رسم الانتقال برف قيمة الشطور بمعدل 60 ضعفاً عما كانت عليه قبل العام 2022 بعدما كانت في مشروع الحكومة 11 ضعفاً. فبعدما كان الشطر الأول الخاضع لرسم الانتقال 30 مليون ليرة قبل العام 2022 أصبح هذا الشطر في مشروع الحكومة 330 مليون ليرة وبعد تعديل اللجنة 1,8 مليار ليرة.
– إجراء معالجة استثنائية لفروقات الصرف السلبية والإيجايية الناتجة عن تقلبات سعر صرف العملة اللبنانية في ميزانيات المكلفين بضريبة الدخل. فالعقار الذي تم شراؤه بـ 200 ألف دولار على أساس سعر صرف 1.500 ليرة للدولار وأصبحت قيمته حاليا بالدولار الأميركي 150 ألفاً على أساس سعر صرف 89.000 ليرة للدولار، أو حتى بقيت قيمته بالدولار كما هي، لا تعتبر فروقات الصرف الإيجابية الناتجة عن انخفاض قيمة العملة اللبنانية فروقات إيجابية في الواقع. فقيمة العقار انخفضت بالعملة الأجنبية، أو لم ترتفع، بينما ارتفعت قيمته بالعملة اللبنانية.
– شطب كل نص يرمي إلى تشريع عبارة منصة صيرفة واستبداله أينما ورد بالنص على “سعر الصرف الذي يحدده مصرف لبنان” صاحب الصلاحية القانونية في هذا الشأن.
– توحيد المعايير في تعديل الضرائب والرسوم وبدلات الخدمات والغرامات بعدما كان الاقتراح بتعديلها بصورة عشوائية لا تراعي الأوضاع الاقتصادية السائدة (الجدول ادناه):
مصدر الرسم كان سابقاً
ل.ل في مشروع
الحكومة ل.ل كما عدلته اللجنة
ل.ل
الرسوم القضائية:
التأشير
على دفاتر التجار 20 45.000 200
تسجيل محل
في السجل التجاري 2.000 50.000.000 20.000
تسجيل شركة أشخاص
في السجل التجاري 2.000 100.000.000 20.000
تسجيل شركة أموال
في السجل التجاري 2.000 300.000.000 20.000
تسجيل محل لأجنبي
في السجل التجاري 2.000 100.000.000 20.000
تسجيل
شركة أشخاص أجنبية
في السجل التجاري 2.000 200.000.000 20.000
تسجيل
شركة أموال أجنبية
في السجل التجاري 2.000 600.000.000 20.000
رسوم
المشروبات الروحية:
مستوردو المشروبات الروحية عن كل علامة (ماركة) 900.000 270.000.000 41.400.000
منتجو المشروبات
الروحية المحليون
عن كل علامة (ماركة) 500.000 150.000.000 23.000.000
تجار المشروبات
الروحية بالجملة 500.000 150.000.000
تجار المشروبات
الروحية بالمفرق 400.000 120.000.000 18.400.000 للمحلات الكبرى والسوبرماركت
1.150.000 لباقي المحلات
رسوم
الترشيح للانتخابات:
للانتخابات النيابية 30.000.000 500.000.000 600.000.000
للانتخابات البلدية 500.000 50.000.000 10.000.000
للانتخابات الاختيارية 500.000 25.000.000 10.000.000
رسوم ترخيص
سلاح الصيد:
سلاح صيد طلقة واحدة فوهة واحدة 50.000 3.000.000 2.300.000
سلاح صيد طلقتان
فوهتان 100.000 6.000.000 4.600.000
سلاح صيد 3 طلقات، نصف أوتوماتيك 200.000 12.000.000 9.200.000
سلاح صيد ذو فوهات منها واحدة للرصاص أو أكثر 200.000 12.000.000 9.200.000
الاضافات على موازنة 2024؟
أما بالنسبة الى الاضافات التي أدخلتها اللجنة، فتُعتبر إضافة مادة تقضي بحظر إعطاء سلفات خزينة خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية التي ترعى إعطاءها، وتحميل المخالف تسديد السلفات بأمواله الخاصة وإحالته على القضاء المختص، إنجازاً على صعيد الحد من الإنفاق بواسطة سلفات الخزينة خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العمومية، بعدما استفحل هذا الإنفاق خلال العام 2023، إذ بلغت قيمة سلفات الخزينة التي أفادت وزارة المال خطياً عن إعطائها 31.892 مليار ليرة، في حين أفاد رئيس الحكومة خلال انعقاد الهيئة العامة أنها بلغت أكثر من 90 ألف مليار ليرة، أي ما يعادل 225% إمكانية الإنفاق المتاحة خلال العام 2023 على أساس القاعدة الاثنتي عشرية.
كما تعتبر إضافة مادة تقضي بتبادل المعلومات بين وزارة المال والضمان الاجتماعي في ما يتعلق بالرواتب والأجور، وسيلة ناجعة للحد من التهرب الضريبي من جهة، ومن التصريح عن كسب خاضع للاشتراك أقل من المتوجب من جهة أخرى.
رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان أكد لـ”النهار” ان مشروع قانون موازنة العام 2024 كما عدلته لجنة المال والموازنة ليس المشروع المثالي لموازنة الدولة، بيد أنه برأيه، “يبقى أفضل بكثير من المشروع الكارثة الذي أرسلته الحكومة مع تصميمها على إصداره بمرسوم في ما لو لم تنجز اللجنة دراسته وتعدله ويقره المجلس النيابي معدلاً ضمن المهلة الدستورية. كما أن إقرار مشروع موازنة العام 2024 من دون إقرار الحسابات المالية كما تقضي أحكام المادة 87 من الدستور اللبناني يبقى وصمة على الحكومات المتعاقبة التي تمتنع عن إعدادها وتقديمها ضمن المهل الدستورية”.
وقال: “توصّلنا من جراء رقابتنا البرلمانية إلى صفر عجز بالموازنة وفائض متواضع في الخزينة (13 الف مليار ليرة)، ولكن ليس عجز الدولة الذي يحتاج اليوم إلى معالجة الدين العام وإعادة الهيكلة في القطاع المصرفي والقطاع العام والتوقف عن مخالفات سلفات الخزينة”.
يبقى أن الدولة، على هشاشتها، كسبت أمرين: الاول أن الموازنة أقرت بالرغم من الظروف السياسية والامنية وتوتر الاقليم وانعكاسه على الحدود الجنوبية، ولم تسقط في فخ اللامبالاة او اصدارها بموجب مرسوم في الحكومة من دون المرور في مشرحة ممثلي الشعب وفق الدستور. والامر الثاني نجاحها في تمرير استحقاق مهم جدا في ظل انهيار اقتصادي ومالي ونقدي وعقد جلسة نيابية من دون استحضار تعقيدات عدم التشريع في ظل الشغور الرئاسي.