
كتب صائب بارودي
لم تجرِ رياح ثورة الشعب الإيراني كما تشتهي سفن الشعب العربي.
فالثورة أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي عام ١٩٧٨ الذي عُرف بشدة عدائه ومواقفه المسيئة للقضايا العربية واحتل الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة للإمارات العربية ودعم الحركة القروية الانفصالية في شمال العراق،وتعاونه وتحالفه مع الكيان الصهيوني ،وكانت سياسته موالية للولايات المتحدة الأميركية.
لم يتوان الشعب العربي عن إبداء فرحته وترحيبه وتأييده لانتصار الثورة الإيرانية والتغيير الجذري الذي حققته بقيادة القوى الديمقراطية الإيرانية وانتهت بتوليها حكم إيران.
لكن،وكما يقال لم تصل الفرحة إلى ذروتها فقد انقلبت الثورة وقيادتها على نفسها حين سيطر الملالي ورجال الدين على زمام الحكم بقيادة الإمام الخميني وأقصوا القوى الديمقراطية الأخرى عن الحكم، وبدت معالم التغيير السلبي في المواقف السياسية تأخذ طابعها الديني المتطرف حيث أصدر الإمام الخميني قراراً يقضي باعتبار إيران دولة إسلامية تتبع المذهب الشيعي وأعطى هذا القرار صفة دستورية كمادة في الدستور الإيراني غير قابلة للتعديل والإلغاء.
عقِب هذا القرار أقدم النظام الإيراني الديني الجديد على اتخاذ سلسلة خطوات أثارت الريبة والشكوك حول خلفياتها وأهدافها:
١- شنّ حربه الحقودة على العراق التي استغرقت ٨ سنوات ١٩٨٠-١٩٨٨ لم يتردد خلالها من التزوّد بالأسلحة والذخيرة من الولايات المتحدة والميان الصهيوني.
٢-أنشأ ميليشيات مسلحة بطابع مذهبي في العراق واليمن والبحرين ولبنان وسوريا.
٣-شجّع تلك الميليشيات وقياداتها على التدخل في الشؤون الداخلية لدولهم المتواجدين فيها وزوّدهم بالمال والسلاح.
٤-دعم النظام السوري وميليشياته المتعددة ضد ثورة الشعب السوري،كما ساند هؤلاء بإرسال قوات عسكرية من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني لتقديم العون والمساعدة لتلك الميليشيات في تحركاتهم العسكرية.
٥-حرّض “حزب الله” في لبنان على ممارسة الفوضى السياسية والسيطرة على مفاصل سياسة الدولة اللبنانية خاصة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ وفق سيناريو مختلق لانتصار وهمي يجب ترجمته إلى تحقيق مكاسب سياسية ومواقع نفوذ في السلطة اللبنانية.
وما أثار القلق والإستياء الشديد في الأوساط العربية ما رافق تلك الممارسات والتحركات تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن حلم يراودهم باستعادة الإمبراطورية الفارسية وما تحمله من حقد تاريخي دفين ضد الأمة العربية وأقطارها.
عند انطلاق الثورة السورية قال رجل دين إيراني مسؤول :” إن سورية هي المحافظة الإيرانية رقم ٣٥ وإن هاجمنا العدو بغية احتلال سوريا أو الأهواز فالأولى أن نحتفظ بسورية”ما يعني أنه أعطى أهمية استراتيجية لسوريا وأثرها على”اقليم الأهواز”العربي المحتل في جنوب إيران.
أعلن مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني عام ٢٠١٥ أن إيران أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي.
أعلن وزير الدفاع الإيراني بعد انسحاب الاحتلال الأميركي من العراق:
“أن العراق بعد عام ٢٠٠٣ أصبح جزءاً من الإمبراطورية الفارسية،ولن يرجع إلى المحيط العربي ولن يعود دولة عربية مرة أخرى…وعلى العرب الذين يعيشون فيه أن يغادروه إلى صحرائهم القاحلة التي جاؤوا منها من الموصل وحتى حدود البصرة،هذه أراضينا وعليهم إخلاؤها”.
وأضاف مهدّدًا “إن قوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق”الموالية لإيران”ستُسكِت أي صوت يميل إلى جعل العراق يدور حول ما يسمى (محيطه العربي)لأنه عاد الآن إلى محيطه الطبيعي الفارسي…وعلى الجميع أن يفهم نحن أسياد المنطقة.
وزير الدفاع الإيراني المقرّب من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئي صاحب السلطات المختلفة العليا في إيران،حين يتحدث بهذه اللهجة الفوقية المتطرفة إنما يعبّر في جوهر تصريحه عما يدور داخل أروقة الحكم ودهاليزه في طهران وقُم، وكشفت الإستراتيجية الحقيقية للقومية الفارسية التي يخفيها المشروع الإيراني ويلبسونه لبوساً مذهبياً شيعياً.
هذا بعض من تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تؤكد النوايا الفارسية القومية وتحمل تفسيرات واضحة للمشروع الإيراني التوسعي وتفسيرات للحروب التي أشعلتها في المنطقة العربية كالعراق وسوريا واليمن والبحرين والميليشيات العسكرية الطائفية التي أنشأتها وغذّتها مذهبياً وعلى رأسها “حزب الله” في لبنان وعشرات الميليشيات العراقية.
إنه حلم استعادة الإمبراطورية الفارسية بحقدها التاريخي ولكن بعباءة مذهبية وأذرع عربية.