بقلم جوزاف وهبه

ما قبله، كانت حرباً أهليّة مدمّرة إستمرّت ربع قرن من الزمن، “لم تُبقِ ولم تذر” نسيجاً واحداً من نسيج ومقوّمات الوطن والدولة..وما بعده “إتّفاق مار مخايل” الذي وعد طرفاه “الجنرال والأمين العام” شعب لبنان بمصير جهنّم، وقد وفيا شرّ وفاء بهذا الوعد المشؤوم!..

وها نحن، بعد 19 عاماً على رحيله التراجيدي، لم يعد لبنان كما نعرفه أو كما أحببناه أن يكون. بات دولة مخطوفة، جزيرة معزولة عن محيطها العربي الذي طالما حرّكه الرئيس الشهيد رفيق الحريري باتصالات عاجلة تنتهي بودائع (مليارات الدولارات) غير مشروطة في مصرف لبنان، وعن أفقه الدولي الذي طالما استنفره بزياراته المكّوكية التي انتهت بباريس 1 وباريس 2:كان رجلاً في دولة، ودولة في رجل، هو المتواضع الذي قال ذات مرّة “لا أحد أكبر من بلده..”. وقد تبيّن لنا بعد رحيله، أنّ الدول كي تقوم تحتاج الى رجال عظام يصنعون الأمل لشعوبهم، ويصنعون الحلم لشبابهم، وهو ما فعلته يداه، إذ بنى ما هدّمته حروب الأخوة.. وفتح أبواب الجامعات العالمية على مصراعيها أمام كلّ طالب أراد العلم سبيلا!..

رفيق الحريري غيمة منعشة عابرة في سماء ملبّدة بالطوائفيّة والمناطقيّة والولاءات الخارجيّة. حمل الى الوطن كلّ الدفء والربيع ولألأة النجوم وسنابل القمح وهدأة الحياة. أراد لنا أن نعيش في قلب بيروت ينبض بالحياة، كما روى لحفيده في ذلك الفيلم القصير، وهما يمشيان معاً في أسواق تضجّ بالناس والمغتربين والسوّاح. أثار حفيظة كلّ لبناني تألّق في الخارج، بأن يضبّ حقيبته ويعود إلى ربوعه، كما فعل الشهيدان باسل فليحان ومحمّد شطح، وكما فعل الوزيران السابقان غسّان سلامة وطارق متري، وغيرهم.. ومنهم مَن عاد إلى حدّ الشهادة!..

لقد بنى وعلّم إلى أن اقترف الإثم الكبير والأخير:لبنان أوّلاً.. وهو الشعار الذي أباح دمه بحقد طنّين من المتفجّرات، في المكان الأحبّ إلى قلبه:قلب بيروت..
من هنا بدأ مشواره، وهنا كانت النهاية الحزينة. وهو الشعار الذي حاول الزعيم الدرزي أن يتبرّأ منه في “لحظة ضعف وتخلّي”، إلّا أنّه استدرك معتذراً. فالتخلّي عن هذا الشعار، أيّاً كانت المبرّرات، كمن يغرز سكّيناً حادّة في نعش الشهيد الراحل، وفي تاريخ “14 آذار” مع وريثه السياسي المغيّب سعد الحريري!..

يعود الشيخ سعد الى بيروت أو لا يعود، شأن سياسي معقّد. يمتدّ من التسوية السياسية مع الجنرال الرئيس السابق ميشال عون، إلى المهادنة الإضطراريّة غير المتكافئة مع دويلة “حزب الله”، إلى “الحاشية” التي عاثت فساداً وسمسرات بعنوان “مرّقلي تا مرّقلك”، إلى الحلفاء الذين استسهلوا صعود البديل السياسي إذا ما غاب “القائد”، فكان ما كان من تشرذم في الطائفة السنيّة، ما أتاح ل”حزب الله” أن يمسك أكثر فأكثر بمقاليد الدولة، في السيادة والمال والقضاء والأمن والسياسة..وقرار السلم والحرب!..

يعود الشيخ سعد ليضع وردة حمراء فوق ضريح مؤسّس لبنان الجديد، أو يعود محمّلاً بدور سياسي يتجاوز ما حصل، فهذا موضوع مركّب شديد الحساسيّة، قد تساعد في تحديده الحشود المتحمّسة للذكرى وللعودة، يحملها المستقبليّون القادمون في “14 شباط” من كلّ الأصقاع اللبنانية،
لا ثرثرة خصوم من هنا، او حسابات حلفاء من هناك!…

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top