كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
حتى الساعة لم يبلغ الاتفاق على الهدنة بين إسرائيل و»حماس» مساره النهائي. ربما مسألة ساعات أو أيام قليلة. الخلاف على التفاصيل مستمرّ، لكن أياً تكن صيغة هذا الاتفاق فلن يلغي حقيقة خروج «حماس» من الحرب الإسرائيلية منتصرة بالمفهوم العسكري للمعركة مقابل خسارة إسرائيل العسكرية والمعنوية معاً، على ما ترى مصادر مؤيّدة لـ»حماس».
وتقول هذه المصادر إنّ إسرائيل تبحث عن نهاية تعوّضها خسارتها باللعب على المصطلحات وإفراغ النصّ من مضمونه، وتصرّ على استبدال مصطلح «وقف إطلاق النار» بالتهدئة، وعلى استمرار وجودها عند حدود غزة، وترفض ضمانة قطر وتطلبها من السعودية. أما من جهة «حماس» فقد كان الإصرار على تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين، وإعادة الإعمار ووجود جهة ضامنة للاتفاق. يوم نفّذت «عملية الطُوفان» لم تشارك «حماس» أي طرف بقرارها، ولكنها اليوم ترفض الدخول في الحل بمفردها أو تحمّل مسؤولية حكم غزة، وتفضّل أن تتحمّل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي مسؤولياتها أمام الإبادة التي نفّذتها إسرائيل في حق الفلسطينيين، وأن تقود السلطة الفلسطينية الحكم. وأصرّت على وجود بند يتحدث عن إعادة الإعمار لعلمها أنّ حجم الدمار الكبير سيظهر بعد انتهاء الحرب، وهناك جهات ستسعى حكماً الى تحميلها المسؤولية أمام بيئتها الحاضنة.
وتكشف مصادر فلسطينية أنّ إسرائيل على عجلة من أمرها لإنجاز الاتفاق ووقف الحرب وهي توسّطت لهذه الغاية مع السعودية لتتولّى دور الوسيط الوصيّ على الاتفاق مقابل القبول بحلّ الدولتين، لكن السعودية رفضت أي اقتراح قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. فالسعودية أيضاً تريد إبرام اتفاق مع جهة تضمن استمراريّته وتستطيع أن تحافظ على ديمومته، وهذا مثار تشكيك على عتبة الانتخابات الأميركية المقبلة، ومع وجود رئيس وزراء كنتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية.
وفور إعلان وقف إطلاق النار سيعلن فتح «بازار» التفاوض مع لبنان حول تنفيذ القرار 1701. من خلال حركة الموفدين الدوليين وما عبّروا عنه خلال لقاءاتهم، يتبيّن أنّ الاهتمام بساحة الجنوب يوازي الاهتمام بجبهة غزة لتخفيف الضغط عن رئيس وزراء إسرائيل في ما يتعلّق بالحدود الشمالية. دخلت ساحة الجنوب في عمق المفاوضات الجارية، وهي بشهادة «حماس» في الداخل الفلسطيني كانت جبهة مؤازرة استطاعت أن تشكّل دائرة حماية وصدّ لإسرائيل عن التفرّغ للحرب على غزة، وحرّكت المفاوضات حول تنفيذ القرار 1701 وانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلّها أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. لم يعد مستبعداً تراجع إسرائيل عن احتلالها مقابل تراجع «حزب الله» مسافة عن الحدود المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية على الحدود.
وتقول مصادر موثوق فيها إنّ وقف النار في غزة سيسري حكماً على جبهة الجنوب. وهذا ما يسعى إليه الموفدون الدوليون وتبذل الولايات المتحدة جهداً لتحقيقه. لم يحمل الموفدون الأوروبيون صيغة محدّدة أو مبادرة، بل مجرد أفكار طرحت بلغة التهديد والوعيد من عدوان إسرائيلي وشيك على لبنان كنوع من الضغط عليه. «حزب الله» الذي يراقب الجبهة عن قرب لم يلحظ حشداً للجنود على الحدود ولا تعزيزات عسكرية، وفهم أنّ المقصود هو الضغط لإمرار تطبيق، ولو جزئي للقرار 1701، وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الأميركيون حيث كان الطلب الملحّ تراجع «قوة الرضوان» التي تخوض الحرب على الحدود الجنوبية سبعة كيلومترات عن الحدود الشمالية، بحيث تصبح المستوطنات في «مأمن» من صواريخها، كما قال الموفدون.
إذا انتهت الحرب باتفاق على وقف النار يكون «حزب الله» قد حقق غايتين من المواجهة التي خاضها على الحدود الجنوبية، مؤازرة غزة، وإصرار المجتمع الدولي على تطبيق القرار 1701 لضمان أمن واستقرار سكان الشمال. إذا كان سكان القرى الجنوبية المتاخمة للحدود سيعودون الى قراهم حين إعلان وقف إطلاق النار فإنّ سكان الشمال يرفضون العودة إلا بضمانة «حزب الله» بأن يتراجع عن الحدود، وفق مصادر مؤيّدة لـ»الحزب».
ومتى انسحبت إسرائيل فقد لا تشكل هذه المسألة عائقاً. في الأساس فإنّ «قوة الرضوان» لم تكن على الحدود الجنوبية قبل حرب غزة ولم تكن لـ»حزب الله» مظاهر مسلحة على الحدود، فإذا كان شرط انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتراجع عن النقطة B1 قد تحقق، فذلك سيكون مكسباً كبيراً للبنان. وإذا كان ما نقله موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين صحيحاً، ولا سيما في ما يتعلق بالشق الاقتصادي ورفع الحصار الاقتصادي عن لبنان، فإنّ ذلك يعني تحقيق مزيد من المكاسب يصبح معها البحث جائزاً في تنفيذ القرار.
ولأجل ذلك من المقرر أن يعود الموفد الأميركي آموس هوكستين لزيارة لبنان من أجل استكمال المفاوضات التي ستحتاج الى وقت لإنضاجها وتسعى الولايات المتحدة لإنهائها في أقرب فرصة ممكنة كي تضمن عودة المستوطنين وتخفيف الضغط عن حكومة نتنياهو الذي لم يحقق أياً من أهداف حربه على غزة وجنوب لبنان، باعتراف ممثلي دول أوروبية وهوكشتاين نفسه.