بقلم جوزاف وهبه

هل ارتكبت الجماعة الإسلاميّة “خطأً سياسيّاً عظيماً”، حين استعرضت سلاحها ومقاتليها خلال جنازة قادتها الثلاث (طالب الطب سنة ثالثة محمد رياض محي الدين، حسين هلال درويش من شحيم ومحمد جمال ابراهيم من الهبّارية) في شوارع بيروت، ما يصبّ عمليّاً في خدمة سلاح “حزب الله” الخارج على الشرعيّة والقانون، وفق الخطاب السياسي للمعارضة اللبنانية، ووفق توجّهات الطائفة السنيّة في الساحة المحليّة وفي ساحات دول الخليج والدول العربية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية..أم أنّ الجماعة باتت في طور العودة إلى أصولها وقواعدها في صفوف “الإخوان المسلمين” برعاية حركة “حماس”، وتحت العنوان القديم – الجديد “تحرير المقدّسات في فلسطين المحتلّة”؟
ربّما وجدت الجماعة الفرصة ثمينة في اغتيال إسرائيل لثلاثة من قادتها، ما يؤهّلها لاستمالة النبض السنّي الحائر بين “وجدانيّة” دعم كلّ عمل مقاوم ضدّ إسرائيل ونصرة لغزّة وفلسطين، وبين “عقلانيّة” أنّ كلّ ما يدور في غزّة والجنوب وسوريّا والعراق والبحر الأحمر إنّما يندرج في حسابات إيران لتحسين شروط تفاوضها المفتوح (تحت الطاولة) مع الولايات المتحدة الأميركية..وبالتالي، رأت أنّ إستعراض القوّة والشهادة يمكن أن يفتح لها أبواب عطف الشارع، ولكن سها عن بال قيادة الجماعة أنّ ما فعلته ذا حدّين، أحدهما (وهو الذي طغى على سطح ردّات الفعل) أنّ مغالاتها في الأستعراض العسكري قد شكّلت “نكزة” لدى الشارع جرّاء حساسيّته الزائدة تجاه “حزب الله” بالأصل، وتجاه دوره في إضعاف الموقع السنّي، وتجاه إمكانيّة جرّ البلد إلى أتون حرب لا مصلحة للبنان في تداعياتها، وكلّ ما يمكن أن تحرزه هو “ورقة إضافية” في الجعبة الإيرانية، تماماً كما هي نتائج عمليّة “طوفان الأقصى”، وعمليّات الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق وسوريا..

لقد غاب عن حسابات الجماعة أنّ جميع اللبنانيين يعرفون أنّ الجنوب ساقط عسكريّاً وسياسياً في قبضة “حزب الله”، ولا يمكن لأيّ طلقة أو صاروخ أن ينطلق باتّجاه العدو الإسرائيلي إلّا بإرادة وأذن قيادته العسكرية، ما يعني أنّ نشاط “قوّات الفجر” إنّما يتمّ وفق توقيت الحزب، ووفق استراتيجيّته، ولا يمكن لأيّ جهة أخرى (مهما بلغ عدد شهدائها) أن تستثمر في ذلك، عندما يحين أوان التفاوض حول القرار الدولي 1701، أو حول تبادل المصالح الكبرى بين الدول الكبرى:الشهداء يتحوّلون إلى أرقام في حسابات الربح والخسارة لدى اللاعبين الكبار، والجماعة مهما اشتدّ عودها في القتال، لن يُسجّل ولو نقطة واحدة في رصيدها: فما الذي فعلته وتفعله الجماعة؟..

أولى النتائج التي تلقّتها الجماعة الإسلامية، جرّاء مشاركة “قوّات الفجر” في حرب إيران و”حزب الله”، وجرّاء توفير للمقاومة الإسلامية غطاءً سنيّاً غير مرغوب به لدى عموم الطائفة، تمثّلت في الزيارة التي قام بها السفير السعودي وليد البخاري إلى “عقر دار” الجماعة في زيتون أبي سمراء، ملبّياً دعوة جمعيّة “منهج أمّ النور” إلى الإفطار بمشاركة مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام ومفتي عكار الشيخ زايد محمد بكّار ومنسّق تيّار المستقبل ناصر عدره وحضور ديني وسياسي وإجتماعي.
“الرسالة” وصلت من المرجعيّة السنيّة الأولى في المنطقة العربيّة، والإنتقادات تتالت من نوّاب بيروت ومن النواب التغييريين لاستباحة أمن العاصمة، ما جعل “عراضة الجماعة” في المكان والزمان السياسي غير المناسبين، وما يستدعي من “قوّات الفجر” خطوة إلى الوراء، إلّا إذا بات هذا الجناح العسكري خارجاً على القرار السياسي الأعلى لقيادة تنظيم الجماعة، وبات أسير “أوامر” “حزب الله” بالتحرّك على الحدود أو في قلب بيروت حين تدعو الحاجة (أي حاجة الحزب) إلى ذلك!…

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top