البلديّات ليست حقل تجارب!

بقلم جوزاف وهبه

البلديّات ليست حقل تجارب، ولا جوائز ترضية لفئة معيّنة من المجتمع، مهما أبدعت أو برعت هذه الفئة.وقد أثبتت التجارب المتلاحقة أنّ التسرّع (أو الشعبويّة) في اختيار أعضاء هذه اللائحة أو تلك، إنّما يمكن أن يودي بالمجلس البلدي العتيد إلى التهلكة، كما هي حال المجلس الحالي لبلديّة طرابلس الذي ضرب رقماً قياسيّاً في تقلّبات مواقف أعضائه:دورتان رئاسيّتان للمهندس أحمد قمر الدين ودورتان رئاسيّتان للدكتور رياض يمق..والنتيجة “صفر إنجاز”، وخلافات “ع مدّ النظر” تشلّ أداءه وخدماته المفترضة للمواطنين!
وإذا صحّ ما نقل على لسان النائب أشرف ريفي بأنّهم قيد الإعداد للائحة إنتخابيّة تضمّ 24 سيّدة، حيث أنّهنّ (أي سيّدات المجتمع) قد أظهرن نجاحاً واهتماماً بحياة المدينة، فلا بدّ من التنبيه إلى أنّ اللعبة البلديّة تختلف إختلافاً جوهريّاً عن إضاءة شارع، أو تزيين حديقة، أو زرع أشتال وزهور:مَن ينجح هنا، ليس بالضرورة أن ينجح في خضمّ صراعات وتعقيدات الأداء البلدي.المهمّة شاقّة وصعبة، ولا يجوز حصرها بفئة معيّنة من المجتمع، بل لا بدّ من التنوّع، ولا بدّ من اختيار من يستطيع أن يضرب بيد من حديد، لا بيد من زنبق وورد وياسمين..فالمدن (وبالأخصّ طرابلس) ليست حقول أزهار!
لقد سبق للقوى التغييريّة في المدينة أن خاضت معركة شعبية، ونجحت في الوصول الى الرئاسة من خلال المهندس أحمد قمر الدين:فهل كانت العناصر المختارة بالمعيار الشعبوي على قدر المهمّة والمسؤولية؟ الجواب، بالتأكيد، كلّا..وألف كلّا.فأعضاء المجلس الحالي (بمَن فيهم الرئيس رياض يمق) قد أظهروا فشلاً ذريعاً غير مسبوق، كما أظهر ذلك المجلس الذي سبقه والذي لم يمرّ يوم واحد في سنواته الستّة دون تصاعد دخان الخلافات (..وتبادل ضرب المنافض) من كلّ إجتماع أمكن تأمين النصاب القانوني له!
وقبل الدخول في بورصة الأسماء والوجوه، وهي قد تحترق، ما يجعلنا نخسر ما تقوم به راهناً من دور مشكور وفعّال، دون أن نتمكّن من الوصول بها الى الهدف المنشود في المجلس البلدي القادم، يجدر بنا التساؤل:هل هناك إنتخابات بلديّة وإختياريّة في 12 و19 و26 أيّار كما أعلن ذلك في مؤتمر صحافي وزير الداخليّة بسّام مولوي، رامياً الطابة في ملعب المجلس النيابي صاحب القرار النهائي؟ وهل القوى السياسيّة في لبنان (وفي طليعتها حزب الله والتيار الوطني الحر) في وارد الخوض في إنتخابات تُلهي الطرف الأوّل عن حربه المصيرية في الجنوب، ويمكن أن تتسبّب بكشف الحجم الشعبي الحقيقي للطرف الثاني؟
كلّ المؤشّرات السياسيّة والميدانيّة تقود إلى خيار التأجيل لمدّة سنة واحدة، خاصّة إذا ما استمرّ الفراغ في قصر بعبدا، وإذا ما طالت حرب غزّة وانعكاساتها الواسعة في لبنان وفي مختلف دول الإقليم..عدا عن أنّ القوى السياسيّة اللبنانية تفضّل الإبتعاد قدر الإمكان عن كلّ ما يسمّى “إستحقاق إنتخابي” لأنّ ذلك يتطلّب روحاً ديمقراطيّة غير متوفّرة أصلاً، ويتطلّب ميزانيّات ماليّة ضخمة هم بغنى عن صرفها في هذه الظروف..ولكن بالمقابل، هناك مشكلات كبيرة في المجالس البلدية على مدى كلّ البلد:مجالس مستقيلة، ومجالس مشلولة بسبب الخلافات، ومجالس مجمّدة بسبب قلّة السيولة والمداخيل، ما يستدعي إجراء الإنتخابات في موعدها، أو أقلّه إجراء الإنتخابات في البلديّات المنحلّة:فهل هذا ممكن قانونيّاً، وهل الدولة (ومن ضمنها القوى السياسية) على استعداد لاتّخاذ قرار من هذا النوع؟
يبقى الميدان سيّد القرارات:حرب أو لا حرب..وبالتالي، إنتخابات أو لا إنتخابات.ونعود إلى بدء الكلام:حُسن اختيار الأعضاء (إناثاً أو رجالاً) له أهمّية قصوى، حتّى لا نندم، من جديد، سنوات أربع إضافيّة..كما ندمنا في طرابلس والميناء والمنية والقلمون، كنماذج بلديّة أربعة فاشلة تحيط بنا شمالاً وجنوباً!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top