بقلم جوزاف وهبه
تستطيع الجماهير الغفيرة أن تحتفل في شوارع طهران وبعض المدن الأخرى، كما يستطيع راكبو الدرّاجات الناريّة أن يطوفوا في أرجاء الضاحية الجنوبية “سُكارى” بالنصر المبين الذي حقّقته مئات المسيّرات والصواريخ المجنّحة الإيرانية التي “تجرّأت” على إطلاقها قوّات الحرس الثوري، بعد إستئذان الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن أخبرت الدول المجاورة (على طريقة نحكي مع الجارة كي تسمع الكنّة) بمواعيد الهجوم غير المسبوق، وأنواع الأسلحة المستعملة (ثمّة تقرير أميركي يوضّح بأنّ معظم الصواريخ التي وصلت إلى إيلات، إنّما كانت بلا حشوات متفجّرة)، والأماكن المستهدفة..والسؤال:إذا كانت إيران قد قرّرت تلقين العدوّ الإسرائيلي درساً لا يُنسى، فلماذا “طبّلت وزمّرت” للضربة على مسامع الجميع، بمن فيهم الجيش الإسرائيلي؟ وهل هي تبحث عن نصر معنوي، أو عن عملية جراحيّة تؤلم الكيان الصهيوني الذي آلمها (عن حقّ وحقيق) في تدمير القنصلية الإيرانية في قلب دمشق، على أسوار الحديقة الخلفية لقصر المهاجرين، حيث يختبئ مذعوراً الحليف الممانع الرئيس السوري بشّار الأسد؟
إنتهت مفاعيل الضربة الإيرانيّة، بلا قتلى ولا جرحى ولا دمار في منشأة أو ثكنة أو مطار:فهل هذا كافٍ لدبّ الذعر في الداخل الإسرائيلي، وهل هي أشدّ إيلاماً من عملية “طوفان الأقصى”، حتّى نفرح ونهلّل للتوازن الإستراتيجي الجديد؟ وماذا لو ردّت إسرائيل، كما هو متوقّع، على طهران بدقّة وفعالية أكبر، وماذا لو استمرّت بقصف مواقع النفوذ الإيراني في الأراضي السورية (مستشارين، مستودعات وأذرع ميليشياوية)، فهل ستعيد طهران الكرّة دون استئذان وبشكل مفاجئ، ما يسمح حينها بإلحاق الضرر المطلوب بالعدو، وما يسمح باعتبار أنّ إيران دولة قوية، ليس بصبرها الإستراتيجي فقط، وإنّما بمعاملة العدوّ التاريخي كما يجب أن يُعامل:العين بالعين والسنّ بالسنّ، والقنصليّة بالقنصلية، وكوكبة من كبار المستشارين والضبّاط بكوكبة مماثلة من جنرالات غولاني والشاباك؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بدّ من بعض التساؤلات في صلب القضيّة الفلسطينية التي باسمها تُرتكب كلّ هذه المجازر، وباسمها تُخاض كلّ هذه الحروب من جنوب لبنان إلى أعماق البحر الأحمر، وباسمها تستبيح قيادة الحرس الثوري “5 عواصم عربية” طالما تبجّحوا بالسيطرة عليها، كما استباحوا سماءها مؤخّراً حين عبرت الصواريخ والمسيّرات، وسط تهديدات لكلّ دولة تجرؤ على اعتراضها..ولعلّ أولى التساؤلات:لقد تجرّأ ملك الأردن على إسقاط كلّ جسم إنتهك سيادة بلده، فهل ستُقدم طهران على المساس بأمنه وأمانه، هو الذي يقع تحت الحماية الأميركية – البريطانية المشتركة، أم ستكتفي بالتهويل على الدول المستضعفة، مثل لبنان وسوريا والعراق وغزّة واليمن؟
وأيضاً، ألا تدرك طهران أنّ غزّة قد تهدّمت فوق حوالي خمسين ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح وتشريد مليوني امرأة وطفل ومسنّ ورجل؟ بالطبع هي تدرك ذلك بالعين المجرّدة، فلماذا لم تحرّك مسيّرة واحدة أو صاروخاً واحداً علّها بذلك تلجم العدوّ الغاشم، أو أقلّه تحقّق شعار “وحدة الساحات” الذي أسّسه القائد الراحل قاسم سليماني؟ لماذا اهتزّ ضميرها وشجاعتها لمقتل 5 جنرالات، ولم تحرّك ساكناً لسقوط آلاف الضحايا من الفلسطينيين، ولماذا نفذ صبرها لمرأى دمار قنصليّتها ولم تتأثّر لمرأى آلاف الأبنية المهدّمة في شمال القطاع وجنوبه وخان يونس (وقريباً جدّاً رفح) ومئات المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء والمؤسسات الحكومية الرسمية؟ هل “وحدة الساحات” تشمل فقط قنصلية الشام، ولا تشمل أطفال غزّة الذين دفعوا ثمن الوحش الإسرائيلي، وثمن حسابات حركة “حماس” التي ما كانت لترمي نفسها (وغزّة) في النارلولا وهْم الإتكاء على نوع من أنواع “الوعد الصادق”؟
إنتهى فيلم إيران القصير (ليلة سبت – أحد) نهاية بلا خاسرين.الكلّ أبطال، والكلّ رابحون.ولكن لم تنتهِ مأساة الشعب الفلسطيني الذي أخذته “حماس” (برعاية ومباركة من المهدي والسماحة) إلى حيث لا يريد، إلى نزيف طويل يمتدّ من العام 1948، إلى صلاة لن يؤدّيها في المسجد الأقصى، وإلى عاصمة لن تكون القدس إلّا بصيغة الدولتين، إذا ما نجحت أميركا في صنع السلام التاريخي المنتظر!