“ورقة للبحث لا للتطبيق” هكذا عرّف المراقبون الطرح الفرنسي الجديد لتهدئة الوضع في الجنوب، والغريب في الأمر أن يزور وزير الخارجية الفرنسية “بشحمه ولحمه” بيروت ليطرح ورقة معدّلة معدة للنقاش مع وقف التنفيذ بانتظار غزة والحزب والله والفرج.
وفي ظل هذه “المعمعة”، تتقاطع المصالح الأميركية والفرنسية بين المفاوض في الوقت الضائع والمفاوض الحقيقي في ساعة الحسم.
ومن هنا جاءت المبادرة الفرنسية المعدلة لوضع حد للتصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل تمهيداً للحسم الأميركي فيما بعد، والتي تطرح حلاً يتضمن ثلاث مراحل، تبدأ بوقف العمليات العسكرية وإعادة النازحين اللبنانيين والإسرائيليين، وإطلاق مسار تفاوضي يستنسخ “تفاهم نيسان 1996” لتثبيت الاستقرار على ضفتي الحدود بشكل كامل ونهائي.
بقلم وفاء مكارم
في هذا السياق، أشار النائب غياث يزبك في حديث خاص ل “ديمقراطيا نيوز” الى أن الورقة الفرنسية مازالت بيد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لافتاً إلى أن هناك إشكالية لم تُحل وهي إعادة تموضع “حزب الله” ضمن منطقة جنوب الليطاني وتطبيق القرار 1701.
ودعا يزبك إلى تطبيق القرار بشكله الكامل ولعدم إجتزاء المجتزأ كي لا ننسف مفهوم الدولة مع عودة الجيش اللبناني بقوة إلى الحدود الجنوبية ليكون هو الحارس لهذه الحدود، مؤكداً أنه لا يمكن أن نعيد التفاهمات نفسها التي بدأت في العام 1993 و1996 و2006 التي جعلت حدود لبنان إيرانية ولا سلطة للدولة اللبنانية عليها.
وحذّر يزبك من خروج لبنان من دائرة المفاوضات وتجاهله في ظل الاستعداد لتفاهمات دولية وعربية بحال لم يُنتخب رئيس للجمهورية، قائلاً “هذا حق مكتسب لرئيس الجمهورية ان يفاوض ويوقع المعاهدات باسم الدولة اللبنانية، وفي ظل الفراغ الرئاسي الأمر سيكون مهيناً للبنان ويشكل ضرباً لسيادته، أما اليوم فالحكومة اللبنانية رغم أنها حكومة تصريف أعمال عليها واجب حماية مصلحة الدولة العليا وعليها هي أن تفاوض وليس “حزب الله” وان لا تكون في موقع الرديف، لان الانكسار الدائم أمام الحزب يجعل لبنان دولة غير مكتملة السيادة”.
ولفت يزبك إلى أن الحزب لم يُخفِ سيطرته على المفاوضات من خلال قوله ان لا هدنة في لبنان ان لم يتم وقف إطلاق النار في غزة، ولا رئيس للجمهورية في لبنان طالما مازالت الحرب محتدمة في غزة، معتبراً أن الحزب ربط مصلحة البلد بهذه “الجهنم الإقليمية” المشتعلة التي تأخذنا نحو الدمار.
ورأى يزبك أن التوقيت الدبلوماسي لزيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان دقيق جداً، وأن هدف الزيارة هو إيصال رسالة ل”حزب الله” عبر الدولة اللبنانية بأن المخاطر كبيرة جداً وكي لا تأتي الورقة الفرنسية مُنزلة فوضع سيجورنيه اللبنانيين بأجوائها للتوصل إلى قاسم مشترك لما تقبله إسرائيل وما يقبل به حزب الله لان الدولة اللبنانية لا دور لها في هذه المسألة.
وأكد أن لا جواب حتى الآن على الورقة الفرنسية من قبل “حزب الله” واسرائيل، لان الحزب مازال يصر على مساندة غزة والاسرائيلي غير مستعد للهدنة، معتبراً أن هذا يُعطل المبادرة الفرنسية.
وعن الثمن الذي ينتظره الحزب كي يوقف النار، قال يزبك ” يريد “حزب الله” أن يعتبر نفسه الآمر الناهي في لبنان، كما يريد إعادة الوضع في الجنوب إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر وكأن شيئاً لم يحصل، وان يُبقي على عسكره منتشراً على ما هو عليه اليوم”.
وعن مساعي الخُماسية، شدّد يزبك على أن هذا الحضور ليس ملزماً لأحد بل أن دورهم ينحسر في التحفيز والدفع باتجاه المسيطرين على سيادة لبنان وعلى استحقاقاته، لافتاً إلى أن لا إمكانية للخماسية على فرض الرئيس ولا أن تملي علينا ما يجي أن نقوم به.
وأشار يزبك الى ان الحديث عن عقوبات على المعرقلين تزيد حدته وفق الظروف، مضيفاً أن الخماسية لم تذهب حتى الآن إلى هكذا نوع من الحلول بل تعطي فرصاً لبعض اللبنانيين كي يستعيدوا وعيهم.
بدوره، أكد المحلل السياسي و الصحافي أسعد بشارة في حديث خاص ل”ديمقراطيا نيوز ” أن الورقة الفرنسية الجديدة عدّلت الطرح من خلال استبدال تعابير معينة وهو تغيير شكلي، لافتاً إلى أن المطلوب دولياً هو تنفيذ القرار 1701 بحرفيته بطريقة جدية وان منع التواجد المسلح بين الليطاني والخط الازرق هو أمر غير خاضع للنقاش مع تعزيز دور الجيش اللبناني في الجنوب.
وشدّد بشارة على أن التعديل الشكلي لا ينفي المضمون الحقيقي للورقة وهو تنفيذ القرار 1701 بعد وقف إطلاق النار وعودة النازحين من جهتين إلى منازلهم، معتبراً أن توقيت المبادرة الفرنسية دقيق في ظل المساعي للهدنة وان ما يُحكى عن فشل مساعي الهدنة ربما يكون من ضمن الضغط الإعلامي في سير المفاوضات.
وعن أن الورقة الفرنسية هي استنساخ لقرار نيسان 1996 وأنها تعيد طرح مبادرة هوكشتان، اعتبر بشارة أن الطرح اليوم هو تطبيق القرار 1701 فقط لا غير، مشيراً إلى أن اي ابتكار لآليات جديدة تُلزم تعديل القرار نفسه بموافقة جميع الدول الدائمة العضوية لمجلس الأمن.
وأضاف أن “فرنسا في ورقتها أعادت طرح المبادرة الأميركية مع بعض التعديلات الشكلية التي قد تُستعمل للتهرب من نزع السلاح جنوب الليطاني وهذا الأمر لن يكون مقبولاً لدى الأميركيين ولدى إسرائيل كما أن “حزب الله” لن يقبل بالانسحاب”، قائلاً نحن أمام معضلة كبيرة يوم يبدأ التفاوض الجدي”.
وعن التخوّف من عزل لبنان في المفاوضات الجدية في ظل الفراغ الرئاسي، أكد بشارة أن اللجنة الخماسية كما سيجورنيه حذروا من هذا الأمر، مشيراً إلى أن السفراء يطرحون فكرة أن يُنتخب الرئيس ومن ثم يذهب لبنان إلى الحوار الذي يترأس طاولته الرئيس نفسه، أما اشتراط الحوار للوصول إلى انتخاب رئيس كما يريد “حزب الله” هو أمر غير مقبول على مستوى مجموعة الخمسة.
وأكد بشارة أن المفاوض الحقيقي للتهدئة في الجنوب هو حزب الله لا الدولة اللبنانية بغض النظر عن قناة التفاوض ان كان الرئيس بري او ميقاتي، قائلاً ” ليس مهماً من ينقل الرسائل لان ناقل الرسائل ليس مفاوضاً والمفروض الأساسي هو حزب الله”.
وعن التنسيق الأميركي الفرنسي، قال أن فرنسا لا يمكن أن تسير بأي مبادرة دون التنسيق مع أميركا التي لا تُمانع هذا الدور الفرنسي في الوقت الضائع، لافتاً إلى أن حين تدق ساعة التفاوض الجدي سنجد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت والقدس وسيقوم حينها بعملية تفاوض مستمرة لحين بلورة اتفاق نهائي.
وعن الرد الرسمي على الورقة الفرنسية، قال بشارة أن الرئيس ميقاتي خلال زيارته لالإليزيه حاول أن يلمح إلى بأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بربط ملف لبنان بغزة لكنه اصطدم بموقف صارم ل”حزب الله” ان لا تفاوض الى حين انتهاء الحرب في غزة وهذا يترجم ان القرار في لبنان بيد الحزب.
ورأى بشارة ان تنفيذ القرار 1701 بالطريقة التي كان عليها سابقاً يعني أننا على موعد مع اشتباكات أخرى ومتتالية قد تعيد لغة الحرب ولكن ان نُفذ القرار بطريقة متوازنة بحيث يُطبق لبنان القرار مقابل حمايته نكون أمام مرحلة فيها الكثير من الاستقرار.
وختم، ان “حزب الله” يسعى لمجموعة من الأثمان، فهو لن يتنازل عن ما يعتبره إنجازات في حرب المساندة، وسيسعى إلى نيل ما يريده من مسألة ترسيم الحدود البرية وسيفاوض على مزارع شبعا، وسيسعى أيضاً لإعادة تشكيل السلطة في لبنان بما يضمن سيطرته على القرار الداخلي.