بقلم خالد صالح
ماذا أراد “حزب البعث السوري” أن يقول للبنانيين عمومًا والبقاعيين على وجه الخصوص من خلال إحياء ذكرى تأسيسه في البقاع الغربي ؟، وما هي الرسالة التي أراد إيصالها لأهالي المنطقة في حمأة الحديث المتصاعد بحدة في قضية اللاجئين السوريين ؟.
“فاجأناكم مو”، بهذه “العراضة الشامية” الفلوكلورية أطلّ الأمين العام لحزب “البعث العربي الإشتراكي” علي حجازي مفتتحًا كلمته، لما لهذا المصطلح من أبعادٍ تُعيد للذاكرة اللبنانية ولذاكرة أهالي المنطقة آلام الجريمة الزلزال في شباط 2005، حين أقدم رأس النظام السوري على الاستهزاء بانتفاضة اللبنانيين في أعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هذه الجريمة التي شكلت “القشة التي قصمت ظهر البعير” وأخرجت هذه النظام من لبنان بعد ثلاثة عقود .
بعيدًا عن الشعبوية الفاقعة التي يتسم بها “حجازي” عادة والصوت الحاد المرتفع معتقدًا أن “الصوت بيودي”، وبعيدًا عن الممارسات الخطابية والمصطلحات الرنانة الطنانة التي استخدمها، وبعيدًا عن تعابير الأيديولوجيا والمفاهيم والاستراتيجيات النظرية أو الفكرية التي سعى لاستعادة تواجدها، وبعيدًا عن الجمهور القادم من أقصى عكار والهرمل وبعلبك، فإن السؤال المتنامي في أذهان الناس: من يعمل على استعادة ماضٍ غابر ولّى إلى غير رجعة، وما هي الأهداف الموضوعة على “الأجندة البعثية” ؟.
تاريخ أسود
توقف البقاعيون أمام مشهد الاحتفال بكثير من الأسف، فأهالي المنطقة لم تخنهم ذاكرتهم بعد إزاء الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه، والتي تسببت بلجوء أكثر من مليوني سوري إلى لبنان، ولم تخنهم ذاكرتهم أيضًا للمعاناة التي عاشوها طوال ثلاثة عقود، وتدخل أجهزة الاستخبارات وقيادات حزب البعث في كل شاردة وواردة من شؤون حياتهم حتى بين الرجل وزوجته، ولم ينسوا بعد “عنجر” و “معمل البصل” و “النبي يوسف”، ليجدوا أنفسهم أمام نشاطات واستعراضات لحزب البعث الغائب لفترة طويلة عن الساحة .
يعتقد البعض أن المستهدف من هذا “الاستعراض” هو بيئة “تيار المستقبل” صاحب الشعبية الأوسع سواء في البقاع الغربي أو الأوسط، لكن الحقيقة أن هذه “البروباغندا” هي استهداف لكل من روّعته مناظر المجازر والجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه خلال العقد الأخير، واستهزاء صارخ بكل آلام الناس الذين قاسوا الأمرين خلال تواجدهم في لبنان، وكأن بـ “علي حجازي” ومستضيفيه في المنطقة يقولون للناس : ها قد عدنا !!.
لاشكّ أن أهالي المنطقة على دراية تامة بهذه الأساليب، وأن الإخباريات التي تصل إلى نقطة “جديدة يابوس” على الحدود اللبنانية – السورية هي بفعل فاعل، وكالعادة شخص يتردد إلى سوريا باستمرار، ثم فجأة يتم توقيفه وسوقه إلى سوريا، ثم يتدخل المعنيون من حزب البعث أو أولئك الذين مازالت لديهم علاقات متينة معهم، وإعادته إلى أهله وعائلته وذويه، ثم مسرحية ممجوجة عن التعاون البنّاء الذي أظهروه في سبيل إخراج الموقوف .
إحياء العظام وهي رميم
يعتقد “حجازي” أن اللعب على أوتار “العروبة” و “فلسطين” قد يخلق له فجوة في الجدار السميك، وأن استعادة مفردات “الصراع العربي الاسرائيلي” و “أمة عربية واحدة” و “قلعة الصمود والتصدي”، واتهامات “المؤامرة الدولية” و “الحرب الكونية” في سوريا، سيفتح الباب على مصراعيه لحزبه وللنظام الذي يرئسه بالعودة للتحكم برقاب الناس، وأن انتهاز الظروف المعيشية والانهيار الاقتصادي سيفسح لهم المجال في استعادة استقطاب الشباب وتحديدًا في الوسط السني .
لكن التمنيات شيء والوقائع شيء آخر، فـ “حجازي” وحزبه تناسوا أنهم عاجزون عن “إحياء العظام وهي رميم”، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء وأن السواد الأعظم من اللبنانيين عمومًا والبقاعيين خصوصًا على مختلف مشاربهم يرفضون العودة لسطوتهم وجبروتهم، وأن الدماء الزكية التي كانت سببًا في خروجهم مرغمين لن تذهب هدرًا فهي أثمرت “انعتاقًا” من “حاكمية عنجر” التي أذاقتهم المر تلو المر .
ليست المسألة في هذا الاحتفال كما رآها البعض استغلال المساحة الفارغة التي خلّفها تعليق تيار المستقبل للعمل السياسي ووراثته، فهذا رهان خاطىء كليًا، بل هي مسألة تحدٍ صارخ لأهالي المنطقة بما فيهم الجمهور العريض للتيار الأزرق، وما عبارة “فاجأناكم مو” إلا رسالة واضحة لهذا الجمهور، بأن البعث سيبعث من جديد رغمًا عن إرادتهم، وسيضطرون مجبرين للرضوخ لأوامر “رأس النظام” من خلالهم، وأن يدهم ستعود في المنطقة هي العليا في كل شيء ..
هذه “الرسالة” باتت واضحة وجلية ومرفوضة رفضًا تامًا، فلا عودة لأزلام الأسد ولا لغلمانه إلى المنطقة، ويجب على مستضيفيهم أن يفهموا ويدركوا جيدًا أن حيثياتهم على المحك فلا عودة لنظام السطوة ولا لأساليبه المحفوظة غيبًا، وأن أي ترتيبات لهذه العودة ستواجه بمزيد من الإصرار على رفضها ورفض توغلها في بيئة تنفّست خلاصًا من خلال “جسر” تعمّد بالكثير من الدماء الزكية والغالية .