برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان نظّمت دار الفتوى في طرابلس والشمال مؤتمرًا بيئيًا بعنوان “الواقع البيئي لطرابلس بين الحاضر والمرتجى في ميزان العلم”، بالتعاون مع وزارة البيئة وبلدية طرابلس ونقابتي المهندسين والأطباء في طرابلس.المؤتمر الذي عقد في قاعة المؤتمرات بنقابة المهندسين حضره وزير البيئة ناصر ياسين، النواب اشرف ريفي، ايهاب مطر، وجميل عبود، مفتي طرابلس والشمال محمد امام، رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، نقيب المهندسين شوقي فتفت، وحشد من الشخصيات السياسية والنقابية والإجتماعية.وقد شارك الإعلامي منير الحافي في المؤتمر من خلال محاضرة بعنوان “دور الإعلام اللبناني في التوعية البيئية والحماية” ولأهميتها وعمق مضمونها ينشر “ديمقراطيا نيوز” نصّها:
عندما طلب مني الأخ الدكتور منذر حمزة أن أشارك في هذه الندوة في طرابلس لم أتردد بالقبول، نظراً لما لهذه المدينة العزيزة على قلوبنا جميعاً من أهمية كبرى على الصعيد الوطني أولاً، وعلى الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ثانياً. لكنّ السبب الأهم الذي يجعلنا دائماً نوجّه بوصلتنا نحو الشمال، هو أن عاصمة لبنان الثانية، واقعةٌ في ظلم وسوء تقدير من قبل عدد كبير من اللبنانيين، وبكل أسف. والأسوأ من ذلك، أنها مغبونة أيضاً من الدولة، كالوزارات المختلفة، والعديد من المؤسسات الوطنية التي يجب أن تنشط في كل لبنان، فإذا بها تتخلف عن طرابلس والشمال. تحية إلى وزير البيئة النشيط، وإلى وزير الثقافة محمد وسام مرتضى الذي خصص يوماً في الأسبوع ليداوم في مكتبه في المدينة ليستمع إلى أهالي طرابلس ومؤسساتها الثقافية. وعرفت منه أنه يقضي أغلب أيامه في طرابلس بسبب استحقاقات مرتبطة بإعلان طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام ٢٠٢٤. أما رئيس الحكومة، دولة الرئيس نجيب ميقاتي، ابن طرابلس، فله سلامٌ وتحية، إذ تقع على عاتقه مسؤولياتٌ جسام في ظل غياب رئيس للجمهورية، وعدم اتفاق الأطراف المختلفة على انتخاب رئيس ووضع خارطة طريق للأزمة. الموضوع البيئي موضوع مهم جداً على الصعيد العالمي عموماً واللبناني خصوصاً، ولا شك أن السادة المتحدثين تطرقوا – وسيتطرق من تبقى من المحاضرين – إلى قضايا وتفاصيل وصعوبات وربما يخرج المؤتمر بخطة أو توصيات لحلول بيئية مقترحة لمشاكل لبنانية وطرابلسية. لكنّي سوف أركز في كلمتي على اختصاصي كصحافي وكاتب، وهو «دور الإعلام في التوعية البيئية والحماية».
كلنا نعرف، إن الإعلام هو من أهم الوسائل التي تساهم في تشكيل الوعي المجتمعي وتوجيهه. في لبنان، حيث تزايدت المشاكل البيئية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، يلعب كلٌ من الإعلام الكلاسيكي والجديد دوراً محورياً في نشر التوعية البيئية وتعزيز جهود الحماية. تُعتبر الصحف والمجلات، من أقدم وسائل الإعلام التقليدي. لكنّ هذه الوسائل تقلصت للأسف، بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت باللبنانيين وكان من أولى ضحاياها، المطبوعات. فأقفلت دورٌ عريقة ولم يتبقّ في السوق الإعلامية اليوم، سوى صحف ومجلات قليلة، قد لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة. لقد خسرت البيئة مجلات كانت متخصصة لها. وخسرت صفحاتٍ وأعمدة تهتم بمسائل البيئة، كانت توفرها الصحف اللبنانية والصحف العربية التي كانت تطبع في لبنان. الوسائل الإعلامية التقليدية اللبنانية الأخرى لم تكن أفضل حالاً. فقد عانت المؤسسات هذه، إما من الإقفال كحال تلفزيون المستقبل، أو إلى إغلاق أقسام والتخلي عن مشاريع تطوير. وقد اضطرت مؤسسات كثيرة إلى الاستغناء عن موظفيها مما أدى إلى غياب محررين ومراسلين في الأخبار والبرامج الوثائقية وغيرها. هذا الأمر أيضاً، أثّر على الاهتمام بشؤون البيئة. وكما في التلفزيونات، حصل للإذاعات.لكن رغم هذه المحنة الكبرى، اقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً، فإن القطاع الإعلامي اللبناني بقي وفيّاً لقضايا البيئة. ذلك أن شؤون البيئة ليست ترفاً كمواضيع الموضة وعروض الأزياء والأغاني الهابطة وغير ذلك من «الكماليات»، مع احترامنا لأذواق متابعيها، بل هي موضوع أساسي اليوم في العالم ولبنان. وما التغير المناخي وانتشارُ الحرائق، وتلوث الهواء والماء، ومعضلة النفايات وكيفية التخلص منها أو فرزُها، إلا مواضيع أساسية يواجهها المسؤولون في الدولة، ويعاني منها الناس أينما كانوا وإن بنسب مختلفة.في لبنان، الهمّ البيئي متابع بشكل أساسي من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. ومعظم الوسائل إن لم نقل كلَّها، تنقل أخبار البيئة ومواضيعها في نشراتها الإخبارية خصوصاً، وقد تقطع برامجها العادية لتقوم بالنقل المباشر حين يتعلق الخبر بأخبار لها تأثير على حياة المواطنين. حصل ذلك حين تعرّض لبنان لموجة من الحرّ الشديد أدى إلى اشتعال الحرائق في عدد كبير من غاباته ومناطقه المشجّرة قبيل انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩. كل وسائل الإعلام جنّدت نفسها للدفاع عن الناس والشجر وتحولت النشرات والبرامج إلى منابر لتحذير المواطنين ومساعدتهم على تخطي هذه الكارثة. وبحسب صديقي الإعلامي سعد إلياس، مستشار وزير البيئة، فإن التعاون الاعلامي مع حقبة وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين (الذي يتولى وزارة البيئة منذ ١٠ أيلول ٢٠٢١) هو الأكثر تفاعلاً نظراً لكثرة المؤتمرات والنشاطات والحملات البيئية التي قام بها وزير البيئة والتي يمكن قياسها بعدد أيام السنة منذ توليه مسؤوليات الوزارة. ويمكن إحصاء حوالى 400 نشاط بيئي تولى الاعلام تغطيتها بشكل عام.وتعاون العديد من المحطات التلفزيونية مع وزارة البيئة في أكثر من حملة بينها محطة LBCI التي تبنّت حملة “حريق بالناقص” في منتصف أيلول 2023 وأفردت مساحة كل يوم في نشراتها الاخبارية على مدى شهر للتحذير من خطر الحرائق ونشر الخرائط التي كانت تصدرها وزارة البيئة بالتعاون مع جامعة البلمند.كذلك تعاونت قنوات كثيرة مثل MTV والجديد وتلفزيون لبنان مع وزارة البيئة واستضافت الوزير ياسين في حلقات حوارية مطولة كإطلالاته مع الاعلامي مارسيل غانم في برنامج “صار الوقت” أو مع الاعلامي جورج صليبي أو الاعلامي البير كوستانيان. الإذاعة أيضاً في بلد مثل لبنان لها أهمية كبرى. ذلك أن الشعب اللبناني يقضي معظم وقته خلال النهار في سياراته على الطريق! يستمع الناس للإذاعة لساعات. هذه الساعات يمكن تخصيص جزء منها لنشر الوعي البيئي. وأنا أفضّل دائما الإعلانات السريعة أو البرامج القصيرة التي لا تتعدى الدقيقة الواحدة أو الدقيقتين. يمكن أن تعمل الإذاعة فَرقاً في توجيه الناس إلى كيفية رمي نفاياتهم المنزلية، وإلى تحذيرهم من أخطار التخلص من النفايات الخطيرة. كما يمكنها أن تحذرهم من مغبة قطع الأشجار سواء على صعيد المحاسبة القانونية أو تأثير قطع الأشجار على ارتفاع درجات الحرارة، في بلد اشتُهر بطقسه المعتدل الجميل.
وفي هذا المجال، فقد استضاف عدد من الإذاعات وزير البيئة. أما المواقع الاخبارية على شبكة الإنترنت، وهي صارت منتشرة بشكل كبير وسريع، فلم توفر خبراً بيئياً أو توجيهاً أوتفسيراً لوزير البيئة، إلا ونشرته.نعيش اليوم في عصر الإعلام الجديد. كل ما ذكرناه سابقاً مهم. لكنّ الأهم هو أن نصل إلى جيل الشباب. الشباب الذين يعيشون ليلاً نهاراً مع هواتفهم النقالة وهذا موضوع في غاية الخطورة. رأينا خلال الأيام الماضية وما زلنا نعيش تداعيات، قضية عصابة التيك توك، وذهلنا بمشغليها من الشبان والشابات ومن المجرمين المستغلين للطفولة. وسائل التواصل الاجتماعي خطيرة على النشأ الجديد إذا أسيء استخدامها، ومفيدة جداً إذا حَسُن استعمالُها. من هنا، فإن تيك توك وإنستاغرام وفايسبوك ومنصة أكس، يمكن أن تكون منصات مفيدة لنشر الوعي، سواء في التربية أو الأخلاق أو الثقافة.. أو البيئة موضوع حديثنا اليوم. مطلوب منا جميعاً، مسؤولين ومواطنين وآباءً وأمهات، أن نشجع أبناءنا عبر الحديث معهم والتواصل وعدم الانقطاع، وعدم التطنيش، وعدم الغياب. الحوار أهم من الصراخ. والنقاش أهم من فرض الرأي بالقوة. فجيل اليوم يختلف عن جيلنا والأجيال السابقة.كلنا يعلم أن منصات التواصل الاجتماعي صارت أقوى أنواع الإعلام. صار كل شخص له وسيلته الخاصة، وكل شاب يافع أو حتى صبي، أضحى «نجماً» على تيك توك أو إنستاغرام. إذا استطعنا إيجاد مجموعة أو مجموعات من هؤلاء وتدريبهم، كي يساهموا مع وزارة البيئة والمنظمات المتخصصة بالشؤن البيئية. يستطيع هؤلاء نشر الوعي البيئي بين متابعيهم بسرعة وفعالية. يمكن هؤلاء نشرُ مقاطع فيديو، وصورٍ، ومقالاتٍ توعوية تصل إلى جمهور واسع في وقت قصير. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي استخدام هذه المنصات لتنظيم حملات توعية ولقاءات افتراضية وواقعية، لدعم القضايا البيئية.عن طرابلس بالذات،
لفتني قبل أيام منشورٌ كتبه السياسي الصديق سامر كبارة محذراً من خطر رمي النفايات في مجرى نهر أبو علي، وطالب الوزارات والبلدية التحرك فوراً وتنظيف مجرى النهر ومعاقبة الفاعلين.للعلم فإن المكان المذكور كان قبل فيضان النهر في العام ١٩٥٥، مكاناً خلاباً محاطاً بالبيوت التراثية الجميلة. الدكتور جلال حلواني الذي زودني بمعلومات تاريخية وبيئية عما حصل، يستطيع أن يشرح بشكل مفصل ما حصل لمجرى النهر، الذي قامت الدولة اللبنانية باستنساخ مشروع مجرى نهر بيروت لينطبق على نهر أبو علي. والكارثة حلّت حين صار مجرى النهر يحمل كل الأوساخ من الصرف الصحي والصرف الزراعي، من المنطقة الممتدة من بشري مروراً بزغرتا والكورة، إلى طرابلس. وزاد الطين بلة، حين تم سقف جزء من النهر، وتقرر إنشاء مشروع الإرث الثقافي للمنطقة، لكن ما لبث أن تحول بفعل عدة عوامل إلى سوق للخضار والبالات. المجرى التاريخي لنهر أبو علي صار نقمة بكل أسف. هل يمكن حلّ مشكلة نهر أبو علي المستعصية؟ من يقدر على حلها جذرياً؟ أنا أقترح من هذا المنبر، المبادرة إلى البدء في الحلول البيئية، منطقة إثر منطقة. فإذا استطاعت وزارة البيئة ومعها وزارة الداخلية والبلديات ومتمولون من القطاع الخاص، جعل المنطقة المنكوبة، خالية ً من التلوث، نظيفة، سياحية، جاذبة للناس من الشمال وكل لبنان، نكون قد نجحنا في تشجيع المواطن والمسؤول على الاستمرار في الإنجاز والسير على طريق حلّ مشاكلنا البيئية.عاصمة الشمال تعاني، مثل بيروت وكل لبنان. عناوين سريعة على الإعلام أن يضيء عليها أكثر. مكب النفايات في المحجر الصحي على مصب النهر قرب المرفأ الذي يؤرق المواطنين دائماً. حرق الدواليب في محيط المكب من قبل أشخاص يسعون لبيع النحاس. التقصير في رفع النفايات ونرى في طرابلس بأم العين كل فترة نفايات ينشرها الهواء في أزقة المدينة. محطة الصرف الصحي التي بنيت ولا تعمل بكل طاقتها بسبب عدة عراقيل. تسرب مياه المصرف الصحي من المجاري. إضافة إلى مواضيع أخرى أتركها للمتخصصين.
لا شكّ أن المطلوب كبير جداً. لكن يجب أن نبدأ من مكان صغير لنصل إلى ما يسمى «الثقافة البيئية» بحيث يصبح احترام البيئة عادة يومية بل واجباً على كل مواطن، يقوم بها من جراء نفسه، من دون خوف من غرامة أو حبس. والثقافة مطلوبة من كل مواطن مؤمن بذلك ومن وسائل الإعلام على اختلافها. لا شكّ أن على المواطن واجبات وحقوقاً في مسألة البيئة، لكن يبقى على الدولة أن تعمل على إزالة الضرر الكبير الذي قام به وبكل أسف «مواطنون» بحق وطنهم. نهر الليطاني، الشاطئ اللبناني، الهواء الملوث بفعل المولدات، قطع الأشجار. كل هذا ليس من مسؤولية المواطن لوحده، بل هي مسؤولية مشتركة مع الدولة. على السلطة تأمين الكهرباء فيخف التلوث وتخفّ نسبة أمراض السرطان والأمراض المرتبطة. إذا قامت الدولة بمساعدة جمعيات بيئية متخصصة بتنظيف بحيرة القرعون، فلن تجد بعد ذلك من يلقي الأوساخ في البحيرة. الأمر يحتاج ترغيباً وترهيباً. إذا منعت الدولة بقوة القانون، المصانع المتعدية على نهر الليطاني سيمتثل كثيرون للقانون. الدولة هي الأم، والمواطنون هم الأبناء الذين يقلّدونها. سماحة المفتي، معالي الوزير، السيداتُ والسادة،يقول الله تعالى في كتابه الكريم:«وقل اعملوا فسيرى الله عملَكم ورسوله والمؤمنون». علينا جميعاً العمل من أجل وطننا وبيئتنا وعائلاتنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا. لا نريد أن نوّرث الأجيال المقبلة مزيداً من المشاكل. نريدهم أن يعيشوا في وطن آمن على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية. نريد لنا ولهم هواء نظيفاً ومنظراً لطيفاً وماء عذباً وبحراً أزرق. كل هذا يحصل إذا «عملنا» معاً. شبعنا من كثرة الكلام، نريد أن نرى أعمالاً.