إيران بعد رئيسي .. العين على “مجتبى”ليست “الرئاسة” بل هي “الولاية” !!

كتب خالد صالح

ماذا بعد مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ؟.
ثمّة مشهدية جديدة طرأت على المنطقة بعد حادث الطائرة الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما، بعد عودتهم من أذربيجان، فالأمر ورغم سياقه الطبيعي بأنه “قد يحصل” في أي زمان ومكان، لكن أن يحصل والمنطقة برمتها على فوهة بركان، يطرح تساؤلات كثيرة أهمها : ما هو مستقبل السياسة الإيرانية في المرحلة المقبلة؟..

رغم أن “هرمية” الحكم في الجمهورية الإسلامية في إيران ترتبط بشكل “بيروقراطي” برأس الهرم المتمثل بـ “ولي الفقيه”، فقد شكل وصول ابراهيم رئيسي في الـ 2021 نهاية لأي فرصة تنافسية بين تيار المتشددين الذي يقوده المرشد “علي خامنئي” بمواجهة المحافظين والاصلاحيين، وبات هذا التيار هو المتحكم الوحيد في هرمية السلطة، وأصبحت كل أذرع السلطة في يده وهو صاحب الكلمة الفصل في السياستين الداخلية والخارجية .

أقانيم ثلاث

منذ نهاية حقبة الشاه إثر الثورة، ارتكزت السلطة في إيران على مدار العقود الأخيرة على “ثلاثة أقانيم”، ولاية الفقيه وهيكلية السلطة السياسية (رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس التشريعي) والحرس الثوري، وشهدت إيران اصطدامات كثيرة قبل أن تحسم انتخابات الـ 2021 الأمر بسيطرة تامة لـ “ولاية الفقيه” على القرار من ألفه إلى يائه، وتوجيه ضربة قاسية لتيار المحافظين والاصلاحيين، وتفكيك منظومتيهما بشكل شبه كامل .
هذا الأمر جعل التنافس على موقع “ولي الفقيه” على أشده داخل “نظام الملالي” نفسه، فالرئيس الراحل يعتبر من أبرز المرشحين لخلافة “خامنئي” في هذا الموقع ويحظى بتأييد أكثر من نصف أعضائه، بينما يعمل نجل ولي الفقيه “مجتبى خامنئي” على بسط سيطرته على المجلس متسلحًا بـ “سطوة” والده، في محاولة لتكريس مبدأ “التوريث” في الولاية، للهيمنة على القرار الايراني، والتعامل بشدة وحزم مع القضايا المرتبطة بالالتزام الديني من خلال القمع الدموي لاي احتجاجات قد تشهدها إيران مستقبلا .

ولعلّ مسار المفاوضات “المتعثرة” مع القوى الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني، والموقف المتشدد الذي أظهره “رئيسي” في هذا السياق، أثبت أن التيار المتشدد هو المتحكم بتفاصيل التفاوض، لأنه كان يتوقّع اعفاءات واسعة النطاق من العقوبات الأميركية ورفع الحصار الدولي المفروض على إيران، مقابل رسم أطر محدودة لبرنامجها النووي الذي كان يسجّل تطورًا لافتًا ومتزايدًا .

يد الولي هي العليا

في الساعة الأولى لنبأ سقوط الطائرة، وقبل معرفة أي تفاصيل، تركزت الإهتمامات مباشرة لما صدر عن المرشد، لاسيما في تحديد المسؤوليات ودعوة الشعب الإيراني إلى عدم القلق وأن قيادة البلاد مستمرة على الوتيرة نفسها، وأن نائب الرئيس وفريق قضائي سيتولون الحكم، كان هذا البيان بمثابة “نعي” للرئيس رئيسي، وأن التأخير في الاعلان الرسمي هو لكسب مزيد من الوقت لترتيب الأمور من دون أي تداعيات خصوصًا على الوضع الداخلي، وقطع الطريق على أي محاولة لاستعادة المحافظين والاصلاحيين بعض الوجود .
فالنظام “البيروقراطي” الذي يستند عليه الحكم في إيران عبر هرميته، يعتمد على الاجراءات الموحدة من خلال توزيع مدروس للصلاحيات وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية مبنية بشكل أساسي على العلاقات الشخصية بين أطراف السلطة، فالكلمة الفصل هي للمرشد وأداته الأمنية “الحرس الثوري” ثم “الباسيج”، أما صلاحيات رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي فهي محدودة وأسيرة “أطر ضيقة” لا تسمح لهم باتخاذ القرارات الكبيرة خصوصًا في مسألة “السياسة الخارجية” .

تساؤلات وفرضيات

يبقى الحديث عن “عملية مدبرة” هو الأخطر، فالصراعات الداخلية بين فريقي “رئيسي” و “خامنئي الابن” خرجت للعلن منذ عدة أشهر بعد الوعكة الصحية التي ألمّت بالمرشد، وفُتح النقاش حول خلافته، وقد دفعت هذه الصراعات البعض إلى فرضية أن الحادثة هي عملية اغتيال مدبرة لإزاحة “رئيسي” من المشهد، خصوصًا أن نائبه “محمد مخبر” مقرّب بشكل لصيق من المرشد، وقد تولّى قبل تعيينه نائبا للرئيس إدارة “لجنة تنفيذ أمر الإمام”، وهو من المتشددين المغالين بتشدده .
خمسون يومًا هي المدة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، ستكون فيها العيون شاخصة إلى ما سيقرره “خامنئي” على الجبهتين، الولاية والرئاسة، ومراقبة ما سيفعله “مخبر” من إجراءات للانتقال من موقع نائب الرئيس إلى رئيس، وسيكون “نظام الملالي” برمته على المحك، خصوصًا إذا استطاع مجتبى خامنئي من بسط سيطرته بالكامل عليه من داخله، ووصول “مخبر” للرئاسة سيساعده على تحقيق هذا الأمر .
حتى تلك اللحظة، إذ من المرجّح أن تجري الانتخابات في الأول من تموز المقبل، سيشتد الصراع داخليا بين جناحي المتشددين، وربما تكون “ثغرة” الاحتجاجات الأخيرة فرصة للتيار الاصلاحي والمحافظ بالعودة، رغم إستبعاد حصول مثل هكذا خرق، نظرًا لتركيبة الحكم القائمة على القرار الأوحد وهو بيد “المرشد” .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top