بقلم خالد صالح
منذ الثامن من تشرين الأول الماضي وبعد اندلاع جبهة جنوب لبنان في موازاة عملية “طوفان الأقصى”، عاد الحديث عن القرار ١٧٠١ يتفاعل بقوة في الأوساط اللبنانية، بحيث تنامت الدعوات من فريق المعارضة لتطبيقه، أو السعي إلى إجراء بعض التعدليلات على مضمونه وبنوده، وفق تسوية دولية تُجنب لبنان الحرب الشاملة مع العدو الإسرائيلي .
عندما يقف مندوب الكيان الصهيوني على منبر الأمم المتحدة ويقول عن ميثاقها يجب أن يُرمى في “القمامة” بعد أن صوتت غالبية الدول الأعضاء بواقع ١٤٣ صوتًا، لصالح “دولة فلسطين”، هذا يعني أن هذا الكيان لا يهتمّ بالمطلق لكل الأعراف والقرارات الدولية التي لا تقف بجانبه، حتى تلك التي تكون “شبه حيادية” كالقرار ١٧٠١ لا يتلفت إليها ويعتبرها غير موجودة .
وعندما يواصل العدو مجازره البشعة في قطاع غزة ورفح بحق الأطفال والنساء والشيوخ، بلا أي رادع إنساني أو أخلاقي، ضاربًا عرض الحائط بكل المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، وآخرها قرارات المحكمة الدولية، هل يعتقدّن أحدٌ أن هذا العدو يبالي بالمجتمع الدولي، ويهتم بتطبيق القرارات الدولية ؟ .
خروقات بالجملة والمفرق
منذ ١٨ سنة والعدو يخرق القرار ١٧٠١ بالجملة والمفرق، وسط صمت مطبق من المجتمع الدولي، وتم توثيق ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين ألف خرق (جوي وبحري وبري)، وهذا دليل دامغ أنه ينظر إلى مضمون القرار على أنه يعني لبنان فقط، والهدف تأمين حدوده الشمالية، لأن لبنان التزم مفاعيل القرار وشهدت الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة استقرارًا كبيرًا، ولم يظهر “حزب الله” وجودًا عسكريًا علنيًا، بالرغم من حديث العدو المتكرر عن وجود قواعد مخفية له .
صحيح أن القرار ١٧٠١ يوفّر “مظلّة” دولية للأمن على الحدود، لكن المعضلة في تطبيقه من طرف واحد وليس من الطرفين، فالقرار واحد لا ينفصل، فإن كان العدو يطالب لبنان بتطبيقه، فعليه أولًا أن يكفّ عن تماديه في استباحة الأجواء اللبنانية ليل نهار، وعن خرقه للمياه الاقليمية والحدود البرية، وأن يرضخ للمواثيق الدولية وأن يطبق ما بقى من القرار ٤٢٥ والانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بلا قيد أو شرط .
تهديدات فارغة
“ليستعد اللبنانيون للحرب الشاملة”، عبارة نسمعها منذ تشرين ألأول الماضي، وهي تهديدات فارغة رغم ضراوة الاعتداءات المستمرة يوميًا على قرى الشريط الحدودي، فكل المؤشرات تدلّ أن الأمور قد تذهب إلى تسوية دولية، لأن الظروف لا تسمح بالهروب إلى الأمام نحو الحرب الشاملة، لأن لا أحد من الأطراف الخارجية، الدولية والاقليمية، يريد هذا، وأن التسوية واقعة لا محالة .
لكن اللافت جدًا هو إثارة موضوع القرار ١٧٠١ داخليًا في ظرف حساس كالذي نعيشه، فأن تتعالى الأصوات بضرورة تطبيقه على الجانب اللبناني فقط، هذا أمر مثير للغرابة رغم ضرورته وأحقيته، فالـ ١٧٠١ منذ سنة ٢٠٠٦ يطبّق من الجانب اللبناني، ولم يكن على طاولة النقاش مطلقًا، والأشد غرابة، تحميل “حزب الله” المسؤولية كاملة عن خرق بنوده من دون التطرق إلى الخروقات الإسرائيلية المتكررة والطويلة له، مع العلم أن تطبيق القرار بالكامل يصطدم بمعوّقات وموانع كثيرة، داخلية وإقليمية ودولية أيضًا إسرائيلية .
إن تطبيق مفاعيل هذا القرار يبدأ بمعالجة النقاط الخلافية الـ ١٣ على الحدود، ووضع ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرى الغجر على طاولة البحث الفعلي لإنجازه بصورة نهائية، لذلك فإن أي حديث داخلي عن تطبيق القرار من الجانب اللبناني هو من باب رفع العتب لا أكثر، لأن الانسحاب إلى شمالي الليطاني هو لصالح العدو وحده، ويسهم في إرخاء الاستقرار التام على قرى شمالي فلسطين المحتلة، وهذا مطلب إسرائيلي بحت .
كما تراني أراك
لاشكّ أن العوامل الإقليمية وعلى رأسها الحرب الدائرة في غزة لها أثارها الواضحة على ما يدور في الجنوب، والردع الحقيقي ليس عبر الـ ١٧٠١ لأن ما تطلبه إسرائيل من لبنان عليها البدء به، وأن الصيغة التي يطلبها العدو بانسحاب “حزب الله” من الجنوب، يعود للوضع المأزوم الذي تعيشه إسرائيل خصوصًا الضغوط التي يمارسها أكثر من ١٠٠ ألف مستوطن تركوا منازلهم، ولن يعودوا إذا لم يضمنوا أمنهم بالدرجة الأولى .
هذا الأمر سيكون لمصلحة العدو لتفادي الخسائر الهائلة اقتصاديًا وماليًا وزراعيًا وسياحيًا بالنسبة له، وعلى الدول المعنية بإيجاد الحل المناسب أن تعمل على مساواة النظرة للقرار وفق قاعدة “كما تراني أراك”، وحتى اللحظة لا مؤشرات لهذا الحل، لأن لبنان ليس من أولويات الولايات المتحدة، ولا يحتل صدارة اهتمامات الجانب الفرنسي، والأمر المعوّل عليه هو تسوية شاملة لإرساء السلام الحقيقي في المنطقة .