بقلم جوزاف وهبه
لا يحقّ لأحد منع أحد من النظر في أحوال مرفأ طرابلس بعد حادثة القبض على مسدّسات تركيّة مهرّبة، أيّاً كانت العناوين والحجج، وهي دائماً كثيرة وجاهزة:مصلحة المدينة، فرص العمل المتوفّرة أو طهارة ونزاهة الأجهزة الإداريّة والأمنيّة المشرفة على هذا المرفق العام.كلّ الكلام مباح..وحتّى يثبت المعنيّون العكس!
على الصعيد الإداري، الكلّ يعرف (الكبير والصغير، القريب والبعيد) أنّ “القرار” الحاسم، أيّاً تكن الإشكالية في المرفأ، لا يعود إلى المسؤولين المباشرين، خاصة وأنّه لا يوجد مجلس إدارة، كما أنّ المدير المسؤول أحمد تامر قد عيّن بالوكالة مديراً عاماً لوزارة الأشغال والنقل، ما يعني وجوب عليه أن “يحمل بطيختين في يدٍ واحدة”، وهذا أمر صعب التحقّق.وبالتالي تتوزّع الإمرة الفعليّة في حرم المرفأ ما بين “بعض” الأجهزة الأمنية المؤثّرة وبين “بعض” النافذين الكبار الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة..ومَن يدّعي غير ذلك، فهو أمّا شريك في تقاسم المغانم (ومنهم أصحاب البيانات المنمّقة الفارغة..)، وأمّا “يا غافل ما إلك إلّا الله” (وهم أولئك الذين يغارون على طرابلس ومرافقها وكلّ ما يخصّها بعفويّة قد تكون مؤذية أكثر الأحيان..)!
وعن النافذين الكبار، فبالأمس القريب قد سبق أن سجّلت واقعتان خطيرتان كادتا أن تطيحا بما تيسّر من مساحات في محيط المرفأ وتعود إلى سكّة القطار، لولا تدخّل قوى المجتمع المدني ما اضطرّ “الأطراف المستفيدة” إلى التراجع (مؤقّتاً) عن السلبطة الموصوفة:
الأولى، إعطاء رخصة مشبوهة (محدّدة المساحة والمدّة الزمنية على الورقة..ومفتوحة بلا ضوابط ولا رقابة في واقع الحال) إلى إحدى الجهات النافذة تتيح للشركة تحويل سكّة الحديد ومحيطها إلى كاراج لشاحنات نقل تعود لها.وكان صاحب الرخصة قد بدأ بعمليّة الجرف الواسع حين علت الضجّة، ما اضطرّهم إلى سحب الرخصة وتوقّف العمل!
-الثانية، قيام القائمقام إيمان الرافعي بنفي تغطيتها لأيّ تعدٍّ يقوم على أرض تابعة لسكّة الحديد أيضاً، وطلبها لشرطة بلدية الميناء إزالة المخالفة المزمنة عند الأثر التاريخي برج السباع والتي تعود إلى رئيس إقليم الدفاع المدني في الشمال!
إلى جانب هذه المخالفات والتعدّيات الموصوفة، جاء خبر وزّعته بالأمس القريب مديريّة أحد الأجهزة الأمنية الفاعلة، ويقضي بإحالة ضابطين للتحقيق في موضوع تسهيل هروب أحد الموقوفين الكبار بقضايا الإتجار بالمخدّرات..صحيح أنّ ذلك يعود الى الضائقة الماليّة الإجتماعيّة التي باتت تضغط على جميع اللبنانيين، ولكنّ ذلك يفسّر في الوقت نفسه ما يمكن أن يجري في ربوع مرفأ طرابلس، كما يجري في ربوع مرفأ ومطار بيروت، إضافة الى جميع امتدادات الحدود اللبنانية – السورية المشرّعة على كلّ أوجه التهريب والممنوعات..وما يصحّ على جهاز يمكن أن ينطبق على باقي الأجهزة الأمنية والإدارية حيث يعاني أفرادها من تدنٍّ غير مسبوق في الدخل والرواتب، ما ينعكس شراكة أوغضّ نظر عن الكثير من المخالفات والإرتكابات!
ما حدث أو يحدث في مرفأ طرابلس ليس حكراً على المدينة بل هو امتداد للإنحلال العام للدولة، بمعناها السياسي والإداري والأمني، فوق جميع الأراضي اللبنانية.وهذا يعود من جهة إلى الفساد المزمن المستشري داخل الطبقة السياسية الحاكمة، ومن جهة أخرى إلى تمادي إمساك دويلة حزب الله بالقرارات المصيرية في البلد، من قرار السلم والحرب، إلى التحكّم بالحدود البرية والبحرية والجوية، إلى التدخّل السافر في القضاء كما في قضيّة تفجير مرفأ بيروت حيث تناوب الأمين العام للحزب حسن نصرالله ومسؤول التنسيق والإرتباط وفيق صفا على منع المحقّق العدلي طارق بيطار من إستكمال الملفّ، وصولاً إلى خواتيم تطبيق العدل والعدالة!
مرفأ طرابلس، مثله مثل جميع المرافق العامة في لبنان، تحت مجهر المساءلة والمكاشفة.والإشارة إليه بأصبع الإتّهام أو التقصير لا يعني بالضرورة الإساءة إلى طرابلس.فالمدن لا تقوم بدفن الرؤوس في الرمال، وإنّما بالنظر جهاراً في مكامن الفساد والهدر والتسيّب..ولو في بيت أبي، كما يُقال!
