بقلم جوزاف وهبه
لا يجوز السكوت عمّا حدث في نقابة المحامين في طرابلس (هل عبّر جميع نوّاب وفعاليّات المدينة والشمال عن استنكارهم الصريح والشديد؟)، كما لا يصحّ اتّخاذ وضعيّة المصالحة وتبويس اللحى (وثمّة من بلغت به الوقاحة إلى حدّ طلب الإعتذار..) كأنّ شيئاً لم يكن، أو كأنّها غلطة عابرة، كما جاء في تصريح رئيس تكتّل الوفاق الوطني النائب فيصل كرامي، الباحث عن تسويات لا تزعل أحداً، أو تمهّد له الطريق إلى السراي الحكومي!
ما حدث، إعتداء مدبّر عن سابق تصوّر وتصميم، تحت يافطات غزّة وفلسطين (كم باسمهما ترتكب الكبائر!)، قامت به مجموعات تدور في فلك حزب الله، وذلك في سياق الترهيب والترغيب اللذين يمارسهما الحزب في الساحة السنيّة، مستفيداً من الفراغ الكبير الذي خلّفه غياب الرئيس سعد الحريري، وبالتالي تضعضع تيّار المستقبل:هل كان هذا أو ذاك ليجرؤ على التطاول اللفظي على نقيب المحامين سامي الحسن، لو أنّ التيّار في عافيته الكاملة..أو كما قال الشاعر “لو أنّ في هذه الجموع رجالا”؟
ماذا حلّ بالمدينة وقياداتها السياسية؟ لماذا يتجنّب الرئيس نجيب ميقاتي أو وزير الداخلية بسّام مولوي التعاطي مع قضايا ومشاكل المدينة، تاركين زمام الأمور، تارة لوزير الثقافة محمد وسام المرتضى، وطوراً لوزير الأشغال والنقل علي حميّة..ومؤخّراً للمحافظ رمزي نهرا في موضوع النازحين السوريين، حيث أنّه يقوم بتنفيذ أجندا التيّار الوطني الحر، ليس إلّا؟
لماذا يغيب نوّاب المدينة؟ فلا لقاء يجمعهم، ولا مشكلة توحّد ما بينهم، مكتفين بالبيانات الفردية، أو ببعض اللقاءات الثنائيّة، كما حصل مؤخّراً في المؤتمر الصحافي الذي جمع ما بين النائبين أشرف ريفي وإيلي خوري؟ وللمناسبة، من الجيّد أن يطرح اللواء ريفي طرابلس كمنصّة لاستعادة المعارضة اللبنانية زخمها وحضورها، ولكن أليس الأجدى به أن يتصدّى أيضاً لبعض المعضلات المحليّة المستعصية، كمافيا المولّدات الكهربائية، وعصابات الشوارع والأرصفة والبسطات، حيث باتت إزالتها من قبل البلدية أو قوى الأمن عملاً روتينياً يتكرّر دوريّاً كلّ ثلاثة أشهر، إذ يعود شبّيحة الأماكن العامة إلى إعادة تأجيرها لمستثمرين جدد (وهم في معظمهم من النازحين السوريين) مرّة بعد مرّة؟
ما جرى في نقابة المحامين ليس بعيداً عن هذا التسيّب السياسي – الأمني، وهو أمرلا يمكن طلب التصدّي له فقط من قبل قيادة الجيش أو الأجهزة الأمنية.هو في الأساس شأن سياسي:فأين هم السياسيون؟ مَن تعدّى على نقابة ونقيب المحامين، إنّما كان يختبر ردّة فعل القوى السياسية والمجتمع المدني:فهل شكّلت ردود الفعل ما يكفي من مظلّة حماية لهذه النقابة، ولباقي النقابات، بمعنى للحريّات العامة في المدينة؟
هنا، لا بدّ من الإشادة ببيان نواب “تكتّل الإعتدال الوطني”، وبالموقف الصادر عن نقابة محامي بيروت وجبل لبنان..إضافة إلى حالة التضامن الواسع من قبل النقباء السابقين والمحامين أنفسهم.ما حدث “سابقة” تفترض المواجهة الواسعة لها، وإلّا نتساقط تباعاً كأوراق الشجر في قبضة حفنة من الراغبين بالإصطياد في الماء العكر، أو في التطويع التدريجي للقوى الحيّة في الشارع السنّي، تحت عنوان “فلسطين وحرب غزّة”..للمرّة الألف، طريق فلسطين لم تمرّ من جونيه، ولا يمكن لها أن تمرّ من معقل نقابة المحامين في طرابلس!
كلّنا مع القضيّة.كلّنا مع نقابة المحامين..كلّنا مع إستمرار النقيب الحسن ومجلس النقابة في دعواهم، حتّى ينال المعتدون العقاب المناسب لما اقترفته أيديهم وأفواههم، وعقولهم الخشبيّة..ونحن “ضدّ” ما شهدته النقابة من مصالحة، ولو تحدّث فيها سماحة المفتي محمد إمام والنقيب الحسن والمحامي عبد الناصر المصري بما يشبه “ندم” المعتدين على ما فعلوه.ولكنّ ذلك لا يكفي، من الأجدى أن تصل الدعوى إلى خواتيمها القانونية، بمعنى التوقيفات والتحقيقات واتّخاذ العقوبات المشدّدة!
